كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
بعيداً من الضجيج السياسي والصخب الإعلامي، ينكبّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على متابعة العديد من الملفات الحيوية التي تتّصل بالأمن القومي اللبناني ومصالح الدولة العليا، معتمداً في المهام الموكلة إليه على معايير مهنيّة وموضوعيّة، ومحاولاً أن يحمي دورَه المركّب من عصف التجاذبات الداخلية.
ولا يقتصر جهد ابراهيم وهاجسه على ملاحقة القضايا الامنية الحساسة، من مواجهة اختراقات الموساد الإسرائيلي الى التصدّي للإرهاب التكفيري وما بينهما من تحدّيات، بل هو يتحوّل ايضاً الى «إطفائي» حيث تقتضي الحاجة، مساهِماً أحياناً كثيرة في إخماد الحرائق السياسية التي تندلع في «الغابة» اللبنانية، إما بمبادرة شخصيّة منه وإما بناءً على تكليف أصحاب الشأن، بعدما استطاع عبر التجارب والاختبارات التي خاضها أن يكسبَ ثقة جميع الأطراف.
وكم من مرة نجح الرجل- المحترف للمهام الصعبة وأحياناً المستحيلة- في ترميم العلاقات الرئاسية عندما كانت تتصدّع، وتمكّن من فتح فجوات في جدران القطيعة والخصومة حين كانت ترتفع على خطوط التماس الداخلية. بهذا المعنى، يبدو أنّ الدورَ المكتسب لابراهيم أصبح حاجة وضرورة للكل على حدٍّ سواء. هو «إحتياطيُّ» المصرف السياسي اللبناني، والوسيطُ المعتمد بين «جزرٍ» متنافِرة ومبعثرة تحتاج باستمرار الى ضابط أمن.. وإيقاع.
وبينما كان ابراهيم منشغلاً في الآونة الاخيرة بملفّي التجنيس والنزوح، «باغته» البعض بمسألة عدم ختم جوازات السفر لإيرانيين يأتون الى لبنان عبر المطار. والمفارقة، أنّ هناك مَن ذهب بعيداً في تفسيره لهذا الإجراء وأعطاه أبعاداً امنية وسياسية عابرة للحدود، الى درجة الافتراض بأنّ الغاية منه هي تسهيل دخول عناصر الحرس الثوري الى لبنان وخروجهم منه.
يضحك اللواء عباس ابراهيم تعليقاً على هذا التفسير وما شابهه، قائلاً لـ»الجمهورية»: للأسف، لدى البعض في لبنان خيال واسع يقودهم الى فرضيات لا تمتّ الى الواقع والحقيقة بأيّ صلة، بل هي مجرد سخافات تبعث على الضحك والشفقة في آن واحد. ويضيف: بعيداً من نظرية المؤامرة، أؤكد أنّ التدبير الذي اتّخذه «الأمن العام» هو طبيعي وعادي، ولا ينطوي على أيِّ غايات أو نيّات مضمرة، علماً أنه معتمَد في الكثير من الدول الخليجية والأوروبية منذ سنوات طويلة.
ويشدّد ابراهيم على أنّ حركة دخول وخروج الإيرانيين عبر المطار مسجّلة وموثّقة في الكومبيوتر، وهذا هو المهم بالنسبة الينا، لافتاً الى أنّ تاريخ الوصول والمغادرة يصبح موجوداً لدينا بمجرد إمرار جواز السفر على «الماشين» (الآلة)، ولو أنه لم يُختم.
ويشير الى أنّ الختم على الباسبور ليس إلزامياً بحدّ ذاته، موضحاً أنّ من حقّ المسافر أن يطلب وضعَ الختم على بطاقة منفصلة لاعتباراتٍ تتعلّق به، من نوع امتلاء صفحات جواز السفر العائد اليه أو رغبته في تسهيل دخوله الى دول أخرى قد ترفضه إذا وُجد ختمُ دولة معيّنة على باسبوره.
ويؤكّد ابراهيم أنّ القانون الدولي يحفظ حقّ الإنسان في حرّية التنقل، وبالتالي فإنّ «الأمنَ العام» لا يستطيع أن يفرضَ قيوداً على المسافر تتعارض مع هذا المبدأ، كاشفاً عن التحضير لتنفيذ مشروع متطوّر في المطار من شأنه أن يلغي كلياً الختم، وهذا المشروع يتمثل في استحداث بوابات عبور إلكترونية، بحيث يُفتح البابُ تلقائياً لمرور المسافر أو يُقفل أمامه، تبعاً لنتيجة تدقيق الجهاز الآلي بالباسور، من دون أن نختم لأحد، كما هو سائد في أماكن عدة في العالم.
مرسوم التجنيس
واين أصبحت المراجعة التي يقوم بها «الأمن العام» لمرسوم التجنيس الأخير؟
يكشف ابراهيم عن أنّ «الأمن العام» سيُنجز هذا الأسبوع مهمّة التدقيق في الأسماء الواردة ضمن مرسوم التجنيس، موضحاً أنّ اللجان المختصة وصلت الى المراحل الاخيرة من عملها لجهة مراجعة الاسماء وتلقّي المعلومات في شأنها، بمعزل عن كل التأويلات أو التوقعات السياسية والإعلامية، على أن نرفع بعد ذلك تقريراً بحصيلة عملنا الى السلطات المعنيّة.
ويجزم ابراهيم أنّ كل اسم يتبيّن لنا أنه لا يستوفي كل الشروط المطلوبة، سنوصي بحجب الجنسية اللبنانية عنه، وأنا متأكد مِن أنّ مَن كلّفنا بهذه المهمة سيتجاوب مع توصيتنا لأنه يريد مقاربةً شفافة لهذا المرسوم، ويثق في ما نفعله.
ويوضح ابراهيم أنّ حصيلة المسح حتى الآن تُظهر أنّ أسماءَ عدة مُنحت الجنسية يجب أن تُشطبَ لأسباب أمنيّة وقانونية، لكن لا أريد حالياً الإفصاحَ عن عددها.
عودةُ النازحين
وماذا عن مسار الترتيبات لتأمين عودة دفعة جديدة من النازحين السوريين؟
يشير ابراهيم الى أنّ «الأمن العام» يواصل استعداداتِه وجهودَه في هذا الاتّجاه، و»الشغل ماشي» على قدم وساق، مشدّداً على أنّ دفعة من النازحين ستعود الى سوريا بعد عيد الفطر، ولافتاً الى أنّ تحديد العدد في هذه المرحلة يتوقف على حجم الاستعداد اللوجستي لدى الجانب الرسمي السوري.
ويؤكد أنه لا علاقة لنا بالسجال السياسي الذي اندلع أخيراً حول قضية النازحين، ونحن لم نتأثر به بتاتاً، مشيراً الى أنه يلمس إقبالاً لدى شريحة واسعة من النازحين على العودة، ومعتبراً أنّ موقفَ المفوّضية العليا للاجئين لم يُضعف حماسة هؤلاء للرجوع الى وطنهم. ويشدّد على أنّ العودة ستتواصل، وأرجح أن تكبرَ تباعاً ككرة ثلج ستتدحرج على رؤوس أصحاب المصالح ممَّن يحاولون تعطيل هذا المسار.