كتبت راكيل عتيق في صحيفة “الجمهورية”:
كيف يُمكن لمجموعة مطلوبين هزُّ الاستقرار الأمني لمنطقة بعلبك – الهرمل، وإثارة الخوف في نفوس نحو نصف مليون لبناني يقطنونها، إضافةً إلى توليد انطباع لدى اللبنانيين بأنها منطقة خارجة عن القانون؟ هناك، حيث فيروز كانت شمعة «ع دراج بعلبك». هناك، حيث ينبع الخير والكرم والطيبة من الأرض وقلوب البشر.
أسئلة عدة تُطرح: لماذا لم يتمّ اعتقالُ «الزعران» حتى الآن؟ مَن يغطّي تلك العصابات ويحميها؟ هل يُشكّل «حزب الله» بيئةً آمنة وحاضنة لهذه المجموعات الخارجة من بيئته المناطقية ـ الطائفية ـ السياسية؟ وهل حلّت ساعةُ الصفر؟
تترقّب المنطقة خطةً أمنية غيرَ كلاسيكية في الأيام المُقبلة يقودها الجيش اللبناني. وتؤكّد مصادر «حزب الله» لـ»الجمهورية» أنّ الحزبَ يدعم الجيش في تنفيذ الخطة «مهما كلّف الأمر»، كاشفةً عن دراسة مُصغّرة تعكس المعادلات وتطرح التساؤلات. من «أين للعصابات كلُّ هذا»؟ مَن يقف وراءَها؟ مَن يستفيد من اتّهام «حزب الله» ومِن تحويل الجيش اللبناني شرطة؟
في بعلبك قد تُقتل طفلة في عمر الأربع سنوات، لا تُميّز بعد بين صوت الفرح والحزن والحرب، فالصوتُ المُعبِّر عن كل المناسبات في البقاع واحد: الرصاص. كثيرون سقطوا برصاص مباشر أو عشوائي. آخرون سُرقوا، اختُطفوا، أُهينوا… فلتانٌ أمنيٌّ مستشرٍ، و»كلّ من إيدو إلو» في مناطق بقاعية عدة، خصوصاً في بعلبك- الهرمل، حيث القانون السائد «أعراف» العشائر و»فتاوى» العصابات ومزاج «القبضايات».
«الثنائي» والحلحلة
يسير الجزءُ الأكبر من هذا الفلتان في المناطق البقاعية – الشيعية، حيث تؤيّد الغالبية نهجَ المقاومة وثنائيَّ «حزب الله» ـ حركة «أمل»، على ما دلّت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، فلم يخرق أيُّ مُرشّحٍ شيعي لائحة الثنائي، وفاز جميعُ مرشّحي الحزب والحركة، من دون المرشحَين الماروني والسنّي، اللذين خسرا أمام «القواتي» ابن دير الأحمر طوني حبشي وابن عرسال بكر الحجيري. وفي المحصّلة حصدت لائحة «الوفاء والأمل» 8 مقاعد نيابية من أصل 10 مقاعد، وحمت نفسَها من الاختراقات الداخلية على رغم الاعتراضات التي واجهتها.
يتتبّع نواب المنطقة التطوّرات الأمنية الأخيرة، ويظهر من حراك «حزب الله» رغبته «الخلاص» من هذا الوضع، الذي يرى فيه ما يستهدفه أكثر من غيره.
وإذ تؤكّد مصادر الحزب لـ»الجمهورية» وجود مشكلات أمنية في بعلبك – الهرمل وأنّ الإشكالات تزايدت في الفترة الأخيرة، تشدّد على أنّ هناك تضخيماً للواقع القائم، فـ»الناس غير مُتمترّسة على الجبهات كما يُصوَّر».
يدخل نواب «حزب الله» وحركة «أمل» على مسار حلحلة الإشكالات وتطويقها. وقد واظبوا العملَ على حلحلة الإشكال الكبير الذي حصل بين آل جعفر وآل الجمل، حتى الأولى بعد منتصف ليل أمس الأول. وتؤكّد مصادر الحزب أنه تمّت تسويةُ الخلاف بين العشيرتين والتوصّل إلى مصالحة بينهما، ووعدا بعدم تكرار»القتال» الذي حدث أخيراً.
كذلك، يعمل النواب على خطٍّ أمنيٍّ – سياسيٍّ – إجتماعيّ لمعالجة الإشكال بين أشخاص من آل شومان في بلدة سرعين الفوقا (قضاء بعلبك).
خطة شاملة
متابعة تكتل «بعلبك ـ الهرمل» النيابي، تتمّ على مساحة البقاع بكامله، وعلى صعيد الإشكالات الفردية. فالمهم «نُخلص بقى». وفي هذا السياق، عُقد لقاء بين التكتل وقائد الجيش العماد جوزف عون أمس، كان استكمالاً لسلسلة اللقاءات التي تُعقد بين فاعليات المنطقة وقيادة الجيش في الفترة الأخيرة.
وعلمت «الجمهورية»، أنّ النواب «شدّوا» على يد قيادة الجيش، وطالبوا بأن يقوم الجيش بواجباته على أكمل وجه، مؤكّدين دعمَهم المُطلق له وللخطة الأمنية المُرتقب تنفيذها، فـ»الوضع لم يعد يُحتَمَل».
ووعدت القيادة العسكرية النواب بعمل أمني سريع ودقيق، وسيبدأ الجيش تنفيذ خطة أمنية فعلية وغير كلاسيكية قريباً، من دون الإفصاح عن توقيتها وإجراءاتها وطريقة تنفيذها. وإذ أكد قائد الجيش للنواب «أنّ هناك إجراءاتٍ جديدة مختلفة عن السابق»، شدّد الطرفان على ضرورة أن لا يُغبن أحد من المواطنين، وأن تكون الخطة مدروسة لاعتقال المطلوبين الكبار، لا أن تكون عشوائية.
وترى مصادر «حزب الله» أنّ أيَّ خطة أمنية مدروسة لم تُنفّذ في السابق، وكلّ ما كان يُنفّذ لا يعدو كونه أعمالَ دهم وحواجز وتوقيفات عشوائية لأيِّ مخالف مهما كانت مخالفته بسيطة فيما كان يفرّ الذين صدرت مذكراتٌ «دسمة» في حقهم، وتؤكّد أنّ «هناك الآن خطة أمنية شاملة وكاملة».
ولا تتخوّف مصادر الحزب من حصول مواجهات كبيرة بين الجيش والمطلوبين، وتشير إلى أنّ هؤلاء المطلوبين ليسوا مجموعةً واحدة بل «فرادى»، وكلّ مطلوب منهم هارب ومختبِئ في مكان، و»مرعوب».
أصحاب المخالفات الصغيرة كانوا موضعَ نقاش أيضاً بين النواب وقائد الجيش في اجتماع اليرزة الطويل أمس، وارتأى الطرفان ضرورة تسوية أوضاع أولئك المخالفين مع مخابرات الجيش أو غيرها من الجهات الأمنية المُختصة، ما يحلّ إشكالية 70 أو 80 في المئة من مذكرات التوقيف، ويُحال قليلٌ منهم إلى المحاكم والقضاء المُختص. أما المجرم والقاتل ورئيس العصابة.. فلا يُمكن تسوية وضعه، وإن لم يُسلّم نفسَه، فعلى القوى الأمنية اعتقاله «مهما كلّف الأمر».
الغطاءُ السياسي
وعن تجدّد الإشكالات الأمنية في الآونة الأخيرة، ومنذ بداية شهر رمضان الأخير، ردّت مصادر «الحزب» الأسباب إلى عاملين: الأول، المصادفة. والثاني، العامل الخفي الذي نبحث عنه». وسألت: «لماذا في هذا التوقيت بالذات، وخصوصاً بعد الانتخابات النيابية؟ ولماذا جرّ الجيش اللبناني الذي من المُفترض أن يكون حامياً للحدود، لإشغاله بالمشكلات الداخلية وتحويله شُرطياً؟».
وتعتبر المصادر نفسها «أنّ الجهة الأكثر تضرّراً من هذا الفلتان الأمني هي أحزاب المنطقة السياسية، وخصوصاً «حزب الله» قيادةً وقاعدة، على كل الصعد، الاجتماعية والسياسية والأمنية. وتقول: «فعلاً «بدنا نخلص بقى»، وهذا الأمر غيرُ مُستجدّ، فسبق أن عقدنا عشراتِ اللقاءات والاجتماعات مع قيادة الجيش والقوى الأمنية».
لكن مَن يُغطّي أولئك؟ ومن أين يأتون بالسلاح؟ خصوصاً أنّ اتّهاماتٍ عدة من هذا القبيل تُطاول الثنائي الشيعي.
تجيب مصادر الحزب: «لم ولن نغطّي أحداً». وتوضح «أن ينزل النائب الى الأرض ليفضَّ إشكالاً في انتظار وصول الجيش، لا يعني أننا نحمي أحداً.
ونتحدّى مَن يقول هذا الكلام أن يُسمّي مَن من الأحزاب السياسية الفاعلة من «حزب الله» وحركة «أمل» غطّى العصابات ومتى؟». وتضيف: «نحن أكثر المطالبين بتنفيذ الخطة الأمنية وإرساء الاستقرار الأمني في البقاع. وهذه أقوال بعض الناس المستفيدين من عدم استقرار الوضع الأمني والذين لا يريدون الأمن، وهناك خطة مبرمَجة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام وغيرها لتسويق أنّ «حزب الله» وحركة «أمل» يغطيان المجرمين، فليدلّونا إلى هذا الغطاء «الخفي» لنرفعه».
100 ألف دولار!
وفق عِلم الاجتماع تؤدّي الظروف الاجتماعية المتردّية إلى التفلت الأمني. أمّا الدراسة «البسيطة» التي أجراها «حزب الله» تحت عنوان «هل الظروف الاقتصادية الصعبة هي التي تؤدي إلى هذا التفلت الأمني»؟ فقد أظهرت أنّ 90 في المئة من الذين يتسبّبون بالمشكلات الأمنية هم من ذوي المداخيل الكبيرة.
ففي كلّ مشكلة يظهر مفتعلو المشكلات بعشرات السيارات الرباعية الدفع، والحديثة الطراز، والتي يبلغ ثمنها عشرات آلاف الدولارات (Hummer وRange وغيرها).
وتسأل مصادر الحزب: «إن كان الفقر و»التعتير»، يؤدّيان إلى هذه المظاهر والارتكابات الأمنية، فكيف يُطلق في كل إشكالٍ رصاصٌ بقيمة مئة ألف دولار؟».
وتقول: «نصف الشعب اللبناني فقير، وبالتأكيد البقاع منطقة محرومة، إنما مفتعلو المشكلات يتكبّدون نحو 60 ألف دولار في كل ليلة من ليالي أيام الإشكالات، تتوزّع بين كلفة السيارات والبنزين والرصاص».
وتشير المصادر إلى «أنّ السلاح موجود عند جميع الناس، ومنذ أيام العثمانيين والفرنسيين والمنطقة مشهورة في أنّ السلاحَ موجود في كل بيت من بيوتها».
وفي حين لا تملك هذه المصادر «الجواب الشافي» عن مصدر السلاح غير الفردي و»الخفيف»، تقول: «يجب التفتيشُ عن مصدر أسلحة العصابات من قذائف الـ «آر. بي. جي» وغيرها».
في أيّ حال ينبغي على الخطة الأمنية المعدّة للمنطقة إذا نجحت أن تجيب بنتائجها على كل هذه الأسئلة، وتكشف أيَّ مستور في كل ما عانته تلك المنطقة لا تزال تعانيه على مستوى أمنها غير المستقرّ منذ عشرات السنين…