كتب عيسى يحيى في صحيفة “الجمهورية”:
لا يزال المشهد الأمني في البقاع يتصدّر الملفّات التي تعاني منها المنطقة وتلقي بثقلِها على كاهل المواطنين، حتى وصَل الحال بالكثيرين للكفر بالدولة العاجزة عن كبح جماح العصابات والمطلوبين، وبالأحزاب التي لم تجد طريقاً لحلّ تلك القضايا حتى الآن.
بين ظاهرة الفلتان الأمني المنتشر في بعلبك – الهرمل والذي عانى منه البقاعيون حتى حدودِ التسليم بالأمر الواقع، وبين الظاهرة القديمة المستجدّة المتمثّلة بالثأر، تجد الدولةُ نفسَها أمام امتحانٍ يُعيد حضورَها وهيبتها بين أهالي المنطقة، ويفرض عليها تحمُّل مسؤولياتها والقيامَ بواجباتها في معالجة كلّ الملفات الحياتية للمواطنين، من الأمنية والاقتصادية وغيرها.
وفيما كان يَنتظر البقاعيون الخطة الأمنية التي مِن المفترض أن تبدأ بحُلّتها الجديدة بعيداً عن البروبَّغندا الإعلامية والإجراءات الروتينية، استجدَّ واقعُ عمليات الثأر في البقاع، تلك الظاهرة التي تتمسّك بها العشائر كإحدى العادات القديمة، وهي إن كانت تُعبّر عن رجولة في مكانٍ ما، أصبحت اليوم عادةً سيّئة موروثة يَنبذها الكثيرون من أبناء وفعاليات العشائر في المنطقة.
عيدُ بلدة سرعين الذي كان دامياً بين أبناء العائلة الواحدة، لاقاه عند الحدود اللبنانية – السورية لجهة القصَير توتّر أمني وانتشارُ مجموعات مسلّحة، سببُه أيضاً عمليةٌ ثأرية ومقتلُ شخصٍ مِن عشيرة آل جعفر، وصَل حتى أمس حدودَ التهديد باقتحام بلدة زيتا الحدودية والعصفورية التي يقطنها آل الجمل على الحدود، وعليه تدخَّلت عشائر البقاع ووادي خالد لمنعِ تدهورِ الأوضاع إلى ما لا تُحمد عقباه، وعملاً بمبدأ العشائر وعاداتها استقبلت عشيرة آل جعفر عشائرَ وادي خالد ورحّبت بها واتّخَذت قراراً بمنع اقتحام البلدة، مبقِيةً على الانتشار المسلّح، ووضعِها قائمةً بأسماء الذين نفّذوا الكمين الذي أودى بحياة أحدِ أبناء العشيرة، وحصرِ الثأرِ بهم.
وحول الخطة الأمنية والإجراءات السرّية التي اتّخَذها المجلس الأعلى للدفاع يوضح مصدر أمني لـ»الجمهورية» أنّ الخطة الأمنية المنتظَرة لا تشبه سابقاتها بالشكل والمضمون، والقادة الأمنيون والعناصر في بعلبك الهرمل لن يكونوا على عِلم مسبَق بها متى تبدأ وما هي بنوك أهدافِها، لاعتباراتٍ أمنية، كون بعض المطلوبين على علاقة ببعض العناصر، وسوف يُستقدم لها عناصر من خارج المنطقة لاعتبارات ثأرية من العناصر في حال وقعَ خلال المداهمات عمليات إطلاق نار ومقتل مطلوبين، وهو ما حصَل العام الماضي مع عدد من العناصر، وأضاف أنّ المشاكل الأمنية وعمليات الثأر بين العائلات أخّرت انطلاقتها، فالإجراءات التي ستُتخَذ ستكون لحفظ الأمن وتوقيف العصابات وغيرها، وبالتالي المشاكل التي وَقعت ستُحوّل الخطة إلى غير وجهتها، وعليه لم تبدأ حتى الآن بانتظار حلّها.
وأمس عند الثانية ظهراً شيَّعت عائلة شومان في بلدة سرعين فاطمة شومان بوساطة من فعاليات المنطقة، بعد أن كان ذوو الضحية قد رَفضوا إجراء مراسم الدفن قبل تسليم القاتل، ليبقى التعويل على العقلاء والأحزاب الفاعلة في المنطقة لإجراء المصالحات بين العائلات وحقنِ الدم، وطيِّ صفحةِ الثأر التي تعود إلى حياة البداوة والتخلّف.