بعد تبخّر الآمال بولادة سريعة للحكومة العتيدة بسبب العقد التي كبرت ككرة ثلج وشكوى مستمرة من تراكم الملفات الاقتصادية العالقة، عادت الهيئات الاقتصادية الى دق ناقوس الخطر والتحذير من مغبة عدم اتخاذ خطوات عاجلة لوضع سكة إطلاق الاقتصاد اللبناني الى الحياة على القطار. فالنقابات السياحية تحدثت رؤية صعبة للمستقبل رغم وعود السياسيين، فيما حذرت أوساط الهيئات الاقتصادية من الوصول الى ما لا تحمد عقباه، إذا استمرت المناكفات السياسية فوق الساحة المحلية. المصادر ذكرت كذلك ان الوضع الاقتصادي غير مستقر، وهو يترنّح وفي وضع حرج جدا، فيما برز في السياق ذاته تحذير متكرر لرئيس مجلس النواب نبيه بري من الوصول الى الهاوية في الملف الاقتصادي. فإلى أي مدى ثمة خطر فعلي لانهيار الاقتصاد اللبناني؟ وما هي الأولويات التي يجب ان تضعها الحكومة نصب اعينها فور التشكيل؟
يقرّ الإعلامي الاقتصادي والأستاذ الجامعي موريس متّى أن الوضع الاقتصادي في لبنان “صعب ودقيق جداً” لكنه أقل تشاؤماً حول وصول الوضع الى الانهيار، لافتاً إلى أن الوضع النقدي مستقرّ خصوصاً في ظل اتخاذ مصرف لبنان إجراءات لازمة ابرزها الهندسة المالية للحفاظ على استقرار الليرة اللبنانية. ومع ذلك يرى متّى في حديث لـIMLebanon أن لبنان يعاني فعليا من أزمة اقتصادية، مشيراً إلى صرخة التجار والمؤسسات ورجال الأعمال التي تدل على تراجع كبير في المؤشرات الاقتصادية. ويعزو ذلك الى غياب تحفيز النمو خصوصاً وأن البنك الدولي يتوقع حدا اقصى للنمو بنسبة 2% في عام 2018 وهذه ليست نسبة نمو يمكنها ان تعطي فعليا نتائج إيجابية على صعيد التوظيف والدورة الاقتصادية ودعم الاقتصاد، لافتاً في المقابل الى ارتفاع نسبة البطالة حيث تخطت الـ30% فيما أن الدين العام يتخطى الـ80 مليار دولار والعجز كبير في الموازنة.
ومن الأرقام التي تدعو الى القلق حسب متى هي خدمة الدين السنوية التي تبلغ 8400 مليار ليرة وهو رقم كارثي، إضافة الى تداعيات ازمة النزوح وما أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في هذا الإطار من ان الكلفة المباشرة للجوء وصلت الى 9 مليار و800 مليون دولار تقريباً إضافة الى كلفة غير مباشرة تصل إلى 15 مليار دولار.
ومع ذلك، لا يعتبر معدّ ومقدم النشرة الاقتصادية في الـmtv أن ثمة خطر انهيار لأن الانهيار هو نتيجة غياب الحلول، فيما أن لبنان في أزمة لكن ثمة حلول لها.
حزمة حلول
ويطرح حزمة من الحلول الضرورية والملحّة، ابرزها تطبيق الإصلاحات التي تعهدت بها الدولة اللبنانية في “مؤتمر سيدر”، لافتاً إلى أن “هذه الإصلاحات مالية وجذرية لوقف تآكل المالية العامة من خلال وقف التوظيف في الإدارة العامة وربما إعادة هيكلة لجزء من الدين العام وتحفيز القطاعات وإيجاد حل نهائي لموضوع الكهرباء والعمالة الأجنبية التي تنافس العمالة اللبنانية”.
ويلفت متى إلى إصلاحات كبيرة طلبها الصندوق الدولي والمجتمع الدولي من لبنان في مقابل الأموال التي حصل عليها في سيدر.
وعن التحذيرات الكثيفة من الهيئات الاقتصادية، يؤكد متى أن هذه التحذيرات ليست جديدة وهي مستمرة منذ فترة، معولاً على فترة الصيف وعودة السياح الخليجيين خلال فصل الصيف في ظل مؤشرات عن رفع الحظر في الفترة المقبلة، ما يعتبر امرا إيجابيا في مسألة التحويلات للبنان وتنشيط القطاع السياحي.
حكومة تكنوقراط؟
أما عن الدعوات الى تشكيل حكومة تكنوقراط، يعتبر أن هذا الكلام مثالي وغير مثالي للتطبيق بعد اجراء انتخابات نيابية وما يجري من تقاسم حصص، مشيراً إلى أنه ليس من الضروري وجود حكومة تكنوقراط لبدء الإصلاحات بل يمكن ان يضم مجلس وزراء أصحاب اختصاص من داخل الأحزاب والاهم هو إيجاد حل للفساد والهدر والسرقة وهذه نقاط أساسية وليست شعارات.
ودعا في هذا الإطار الى تشكيل الحكومة في أسروع وقت ممكن، مطالباً بأن يتضمن بيانها الوزاري تعهدات مطلوبة دولياً بضبط المالية العامة. ويشدد على ان مجرد تشكيل الحكومة يرسل رسالة ثقة الى المستثمرين أن ثمة تدعيم للاستقرار السياسي والأمني.
وبشأن الأولويات الاقتصادية التي يجب ان تعتمدها الحكومة، يذكر متى أولاً تنفيذ الإصلاحات المتعلقة بالقروض التي حصل عليها لبنان إضافة إلى اشراك القطاع الخاص في المرحلة المقبلة خصوصاً وان سيدر نص على ذلك والأهم كذلك الوصول الى خفض النفقات اذ لا يمكن تحمل العجز الكبير في الميزانية.
الفرصة سانحة أمام لبنان حسب متى لكن الأهم هو توفر الإرادة والقرار السياسيَين. فهل من يستجيب؟
حاوره يورغو البيطار