طبعت سمة “الفلتان الأمني” الوضع في البقاع منذ سنوات. وقد استدعى الواقع المرير أكثر من خطة أمنية على مر الأعوام الماضية، إلا أن نتائجها، كلّها، بقيت محدودة أو حتى “معدومة”، ولم تتمكن من تحقيق تحسّن ولو ضئيل في ما تعيشه المنطقة: “الأشرار” من مطلوبين وخاطفين ومجرمين وتجار ممنوعات، بقوا كلّهم في مربعاتهم وحصونهم، مواصلين “نشاطاتهم” وكأن شيئا لم يكن. يومها، كان الجميع- وعلى رأسهم أصحاب النفوذ والحضور في البقاع يعلنون رفعهم الغطاء عن المخلين بالأمن، ويكتفون بهذا الموقف. أما اليوم فطرأ، وفي شكل مفاجئ، تغيير جذري على مقاربة الثنائي الشيعي وحلفائه لما يحصل في المنطقة. فقد أطلقوا، منذ أيام، حملة مكثفة يدعون فيها الدولة الى تحمل مسؤوليتها في ضبط الامن في البقاع، وفرض هيبتها عليه. وقد اتخذت مناشداتُهم أبعادا وأحجاما غير مسبوقة، من حيث الشكل والمضمون، حيث يستغربون كيف ان “بعض الزعران” عصيون على الدولة وأجهزتها، ويؤكدون ان هؤلاء يُعَدون على اصابع اليد ولا يمثلون عشائرهم، في حين ذهب النائب اللواء جميل السيد بعيدا، الى حد اتهام المؤسسات الامنية بالتآمر على المنطقة. وقد لمّحوا كلّهم، في مواقفهم، الى ان ترك التسيب سائدا متعمّد لإظهار البيئة الحاضنة للمقاومة خارجة عن القانون والدولة.
امام هذا المشهد، تعرب مصادر سياسية في الفريق السيادي عبر “المركزية” عن استغرابها لكون هذه “الاستفاقة” على الوضع في البقاع حصلت متأخرة جدا. ففي السنوات والأشهر الماضية، سُجلت جرائم قتل وخطف بالجملة، تَذكر منها جريمة بتدعي، ولم نسمع هذا الكلام المتقدم من قبل الأطراف السياسيين الذين يرفعون السقوف اليوم، ولا يزال من قضوا على صبحي ونديمة فخري خارج القضبان، مستندين إلى “غطاء” ما مؤمّن لهم! ومع أن القوى النافذة بقاعا لا تنفك تتحدث عن “رفع الغطاء” السياسي عن المطلوبين، تقول المصادر ان ذلك يبدو حتى اللحظة “شعارا” لا أكثر، والدليل أن أيا من الرؤوس الكبيرة لم يتم توقيفه بعد، فيما شوهد أشهرُهم، نوح زعيتر، يقاتل في الجرود الى جانب “حزب الله” منذ سنوات. هذا يعني إذًا، أن محاولة رمي مسؤولية ما يحصل في البقاع على الدولة، واتهامها بالتقصير، في غير مكانه، كونها حاولت مرارا العودة الى المنطقة، من دون ان تلقى التعاون المطلوب من قبل القادرين على الحل والربط في البقاع و”إيد لوحدها ما بتصفّق”.
وفي معرض قراءتها لمسببات هذه “الفورة” اليوم ومطالبة الدولة بلعب دورها، تقول المصادر ان لها مبررات عدة. أولها التململ الذي لمسه الثنائي الشيعي، ولاسيما “حزب الله”، لدى بيئته الحاضنة من تجاهله لوضعهم المعيشي الصعب وتفرغه للقضايا الاقليمية. فقرر، بعد انتهاء الانتخابات، إظهار حرصه على تحسين ظروفهم اقتصاديا وأمنيا، راميا هذه الكرة في ملعب الدولة لإبعادها عن “صدره”. ثانيا، خشيته من ان يكون ترك الوضع على ما هو عليه، عاملا يخدم من ينادون بلملمة السلاح غير الشرعي، وأبرزه سلاح الحزب وسرايا المقاومة، اذ تدل المواجهات المتكررة بين العشائر الى ان هذا السلاح لم يعد فقط للمقاومة بل يغذي التسيب الامني. وأخيرا، تقول المصادر ان ما يدور في البقاع اليوم قد يكون مرتبطا بالتطورات في سوريا. ففيما باتت عودة الحزب منها مسألة وقت، قد يكون يحاول إيجاد دور جديد له يتمثل باستلامه الامن في البقاع (من ضمن لامركزية موسعة) بعد اظهار الدولة عاجزة عن ضبطه. لكن ما يجري قد يمهّد للعكس، أي لدخول قوي للأجهزة الى البقاع فتنتشر على الحدود وتقفلها، بالتزامن مع الحل السوري المرتقب.