كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: رغم قرار مجلس الوزراء منع دخول قائمة طويلة من المنتجات التركية المنافسة للمنتجات الوطنية، إلا أن التشاؤم لا يزال يهيمن على الأوساط الصناعية والتجارية والزراعية في لبنان من الآثار المدمرة لغزو البضائع التركية.
وجاءت تلك القرارات بعد اقتراح قدمه وزير الاقتصاد رائد خوري بمنع استيراد منتجات البسكويت والمعجنات ومواد التنظيف من تركيا. لكن مجلس الوزراء رفض منع استيراد البرغل التركي بحجة أنه سلعة أساسية تؤثر على مصالح المستهلكين.
ويرى محللون أن القائمة التي ركزت على تشديد الرقابة على الألبسة المستوردة، لم تصل إلى معالجة شاملة لغزو السلع التركية الرخيصة التي أوقفت الكثير من النشاطات الاقتصادية المحلية.
وتشير البيانات الرسمية لحركة التبادل التجاري إلى أن لبنان استورد في العام الماضي ما تصل قيمته إلى 777 مليون دولار من السلع التركية، في حين صدر إليها ما تصل قيمته إلى 119 مليون دولار فقط، أي أن العجز التجاري اللبناني مع تركيا بلغ نحو 658 مليون دولار، بعد قفزات متتالية منذ عام 2011.
وتؤكد تقارير محلية أن فوضى الوضع السياسي اللبناني وتشتت ولاءات الطبقة السياسية يجعلها تدافع عن مصالح الدول الأخرى بحجج واهية دون الالتفات إلى الأضرار التي تلحق بمصالح القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية في لبنان.
وتجري الإشارة عادة إلى أن ضعف سيادة الدولة يمنع اتخاذ إجراءات حاسمة ويجعل القرارات تخضع لمصالح التجار بدل مراعاة القطاع الصناعي والزراعي المحلي والمصالح الاقتصادية العليا للبلد.
ويرى كثير من الاقتصاديين أن القرارات الحكومية انتقائية وأن غزو السلع الأجنبية الذي يضر بالاقتصاد المحلي لا يقتصر على السلع التركية ويتطلب مراجعة شاملة للقواعد والتشريعات الاقتصادية.
وفشلت الكثير من المحاولات الحكومية السابقـة لحمـاية المنتـوج المحلي مـن المنـافسة غير العادلة من البضائع التـركية، التي تحصل على دعم حكومي، بعد ضغوط من بعض الأطراف السياسية في الحكومات اللبنانية.
وتضمنت إجراءات مجلس الوزراء الأخيرة إصدار أوامر إلى الجمارك اللبنانية بتشديد الرقابة على مراقبة بعض منتجات الكرتون التي يتم إدخالها إلى البلاد معفية من الرسوم، إضافة إلى إخضاع جميع شحنات الألبسة التركية، المستوردة على أنها ألبسة مستعملة، للتفتيش والتدقيق.
ورغم أن تلك الإجراءات لا ترقى إلى المعالجة الشاملة للتداعيات الخطيرة لغزو السلع التركية، إلا أن الكثير من المحللين رحبوا بها ووجدوا فيها تحولا ينبغي تشجيعه لتعزيز هذا التوجه في المستقبل.
ويقول المحلل الاقتصادي محمد وهبة في مقال في صحيفة الأخبار اللبنانية إن قرارات مجلس الوزراء في المدة الأخيرة، تعد مفاجئة في ظل هيمنة سياسة الخضوع للمصالح الخارجية.
ويضيف الخطوة يمكن أن توصف بأنها جيّدة، رغم أنها لا تعبّر حتى الآن عن توجهات استراتيجية، ولا تندرج في إطار سياسة وخطة اقتصادية واضحة.
وأشار وهبة إلى أن من بين 26 شكوى إغراق درسها أو يستكمل درسها في جهاز حماية الإنتاج الوطني في وزارة الاقتصاد والتجارة، لم يصل إلى مجلس الوزراء سوى الاقتراح المتعلق بالمنتجات التركية.
وعزا ذلك إلى عدم وجود اتفاقيات تجارية بين لبنان وتركيا، الأمر الذي يسمح باتخاذ إجراءات تتعلق بحركة السلع. وأكد وجود حالات إغراق كثيرة من دول أخرى لم تتم معالجتها حتى الآن.
ويقول محللون إن القطاعات التجارية والصناعية والزراعية اللبنانية تفتقر إلى وجود بيانات واضحة لحجم الخسائر التي مني بها لبنان نتيجة غزو البضائع التركية وغيرها من العوامل وخاصة تأثيرات الحرب السورية وإغلاق الحدود.
ويقدر رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس حجم خسائر القطاع التجاري اللبناني بأكثر من مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية. ويؤكد أن القطاع وصل إلى مرحلة الخطر وأصبح مهددا بالانهيار.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن نشاط متاجر التجزئة انكمش في العام الماضي بنسبة 10 بالمئة، وهو يعاني من الركود حتى خلال مواسم الأعياد، وأن الأسباب تكمن أيضا في تراجع القدرة الشرائية وغياب السياح والضرائب التي تم فرضها مؤخرا.
ويقول تجار ومواطنون لبنانيون إن الأسواق المحلية تعيش حالة من الفوضى وانفلات أسعار السلع والخدمات منذ صدور القوانين التي تضمنت زيادة الأجور والضرائب نهاية العام الماضي.
وأكدوا أن الأوضاع تفاقمت منذ مطلع العام الجاري مع بدء الحكومة تطبيق زيادة ضريبة القيمة المضافة لتصل إلى 11 بالمئة.
وساهمت القرارات والقوانين الجديدة في إحداث زيادات كبيرة في الأسعار بسبب زيادة المعروض النقدي بعد زيادة أجور العاملين في القطاع العام الأمر الذي فاقم أوضاع الفقراء والعاملين في القطاع الخاص.