كتبت رنا اسطيح في صحيفة “الجمهورية”:
يبدو وائل كفوري نجماً في مجرّةٍ بعيدة نسبياً من كوكب الأرض وخارجاً حتى عن درب التبّانة. يشغل فضاءً خاصاً جداً لا يتشاركه مع أحد، ولا يمكن السفرُ إليه إلّا بتذكرةٍ واحدة، جنسيّتها الفنّ بجماليّاته، ووطنها صوته الذي ما زالت تردّداته تهزّ القلوبَ منذ بدايات مشواره إلى اليوم، أما شرط الدخول الوحيد فهو أن يكون الزائرُ أو وائل كفوري نفسه أو توأمه المطابِق!
لا يسمح النجم اللبناني باجتياز جدران خصوصيته، ويعيش في عالم خاص لا يكاد يعرف عنه المتابعون إلّا القليل القليل، ولكنه في المقابل يشرّع أبواب حنجرته لأجمل الألحان ويدعو مع كل عمل غنائي جديد كل سامعيه إلى مملكة من الأحاسيس والطرب وأحياناً الوجع…
ومع كل أغنية يقدّمها يخلق حالة تُعيد التأكيد على خصوصيته في عالم الغناء، وتُعمِّق جذور حضوره على الساحة الغنائية، حيث بات يشغل مكاناً لا يسع أحدٌ من الفنانين أقرانه الاقتراب منه لا سيّما في اللون الغنائي والصوت والحضور والأداء وتزاوج الكلمة الشعرية البهيّة مع أعذب الألحان. كل هذا وكثير من الموهبة الخالصة وحسن الاختيار يجعلانه لاعبَ Solo في مبارياته الفنية التي لا يتنافس فيها سوى مع خط النهاية الذي يرسمه بنفسه، في كلّ مرة يرفع فيها سقفَ التحدّي.
وهذا ما ينطبق على أحدث أعماله الغنائية «أخدت القرار» من كلمات الشاعر المبدع منير بو عساف الذي يجمعه بالكفوري تاريخ نجاحات طويل ومن ألحان الموسيقي اللبناني ملحم أبو شديد وتوزيعه الذي أبرز جماليات الصوت والكلمة برهافة وانسيابيّة. وكحبيب مشاغب يعرف النجم المحبوب كيف يناغش جمهورَه ويجعله توّاقاً لسماع أول نوتة وأوّل آه من كل أغنية. هكذا نراه يملأ صفحاته على السوشل ميديا شعراً وغزلاً وردّيات، وهي بدورها صفحات تعيش غربةً عن ازدحام حسابات الفنانين بالصور والتصريحات، وبالتالي ينشدّ اليها الجمهور مسحوراً ويعلَق في كل مرّة في شباك هذا الفنان «صيّاد الألحان والكلام» الماهر والأهم أنّ سلّة الجمهور لا تخرج فارغة لأنّ «الغلّة دايماً حرزانة».
وفي وقت يستسهل كُثرٌ «عناوين الأفشة» في أعمال ينتحلون فيها صفة أغنية شعبية، وفيما يتسابق آخرون على إصدار أغنيات بالكيلوهات، وتجميل القدود والخدود، استطاع الكفوري بساعات قليلة وبفيديو صوّره بعفوية مع فرقته الموسيقية وبعض صنّاع أغنياته أن يخطف الأضواء ويسجّل نحو 200 ألف مشاهدة على «يوتيوب» في 24 ساعة.
الرقم كبير ولكنه ليس جديداً على نجم يستطيع أن ينافس قواعد اللعبة الفنية كلها، ويرمي نفسَه خارج «عصر الصورة» طواعيةً، بامتناعه عشر سنوات عن تصوير الفيديو كليبات ومع ذلك يتمكّن من تحقيق نجاحات قد لا يقترب منها أحد.
يبدو إذاً وائل كفوري عندما يشدو بـ «أخدت القرار» واثقاً ليس فقط من عنوان أغنيته الرومانسية، وإنما من عنوانِ مشوارٍ فنّي كامل تستند فيه القرارات إلى معادلات خارج المعادلات، يرسي فيها قواعد جاذبية، خاصة جداً، لا تنطبق إلّا على نجم اسمه وائل كفوري.