كتب ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:
ما قبل الانتخابات النيابية اللبنانية التي جرت في 6 ايار الماضي ليس كما بعدها. ولا يمكن التعاطي مع العمل السياسي بالطريقة نفسها التي كانت معتمدة قبل هذه الانتخابات.
أما الأحزاب السياسية اللبنانية فهي مدعوة بمجملها لتغيير نمطية عملها، مهما كانت توجهاتها العقائدية أو الأيديولوجية أو الطائفية.
مؤشرات التغيير في المزاج الشعبي العام عند اللبنانيين، بدأت منذ أكثر من ثلاث سنوات، خصوصا عندما شعر المواطنون بأن بعضا من التيارات والأحزاب السياسية، أعطت أولوية لمصلحتها الحزبية على المصلحة الوطنية العليا للدولة، من خلال إبقاء البلاد في فراغ رئاسي لأكثر من عامين ونصف العام، وأهملت هذه القوى مصالح المواطنين في قطاعات خدماتية حيوية مثل موضوع تصريف النفايات أو تأمين الكهرباء.
وساهم في تغيير المزاج الشعبي مجموعة من العوامل الخارجية، منها على سبيل المثال: تعميم ثقافة «السوشال ميديا الإلكترونية» والحملات الاعلامية المدروسة التي قامت بها بعض وسائل الإعلام بمساعدة خارجية (على ما أعلن بعض السفراء) بهدف تطوير الحياة المدنية وضرب التعصب الديني.
التغييرات «السوسيوبوليتيكية» في مزاج الناس اصبحت واقعا لا يمكن تجاهله، وقد ساهم القانون الذي جرت بموجبه الانتخابات في تعميم فكرة المنفعة الذاتية للناخب، كما ساعد القانون في تفاقم أنماط من التعصب الطائفي والمذهبي، لم يسبق أن وصلت إلى هذه الحدة في أي انتخابات سابقة.
أما نزعة الانتقام الطبقي، فقد بدأت بالظهور جلية، ومارست شريحة من الناخبين شكلا من أشكال الانتقام السياسي ضد مرشحين ميسورين، او ضد احزاب بدت انها تعتمد على نفعية شخصية في عملها السياسي. ولا نقول ان بعض هؤلاء الناخبين ومن يقف خلفهم كانوا على حق، بل نتعامل مع الأمر على انه ظاهرة لا يمكن تجاهلها، بصرف النظر عن حجمها.
من الواضح ان عصر العقائد السياسية الجامدة، والذي عاش ما يربو على 60 عاما، قد انتهى، ولم تعد الأيديولوجيا الفكرية كافية كمصدر من مصادر استمرارية الأحزاب، علما ان العناوين العامة لهذه الايديولوجيات تلاشت منذ ما يناهز العشرين عاما، خصوصا مفهوم اليمين ومفهوم اليسار، أو مفهوم طبقة المحتكرين والرأسماليين وطبقة البروليتاريا، كما ان المقاربات الأمنية والتوتاليتارية لا يمكن ان تعيش في إناء سياسي يستحيل إقفاله وسط انتشار هائل لوسائل التواصل الاجتماعي.
تعمد بعض الاحزاب الى تغيير عدد من قياداتها على خلفية حصول بعض الإخفاقات الانتخابية، ويعمد بعضها الآخر إلى إجراء تغييرات على خلفية تجديد الدم الحزبي، أو إعطاء فرصة لجيل الشباب.
الوقائع أثبتت أن المسؤولية لا تقع على الكادر الحزبي في بعض الإخفاقات، بل إن معظم المسؤولية يتحملها النمط المعتمد في هذا الحزب أو ذاك. والواقع يفرض تغيير هذه الأنماط بالدرجة الأولى قبل تغيير الأشخاص.
الأجيال الجديدة لم تعد تهتم للسياقات التقليدية للولاء السياسي، ولا تعير اعتبارا واسعا للحمائية الحزبية والطائفية، وتشدها أكثر الشعارات الوطنية الصافية، ويهمها تحقيق الرفاه والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وتعميم ثقافة المساواة، وتأمين فرص العمل، ولدى هذه الأجيال كراهية مفرطة ضد التفاوت الطبقي ومظاهر التمايز الاجتماعي.