كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
تحوك «القوات اللبنانية» بأعصاب باردة خيوط مقاعدها الوزارية في الحكومة المقبلة، مستندة من جهة الى حجمها النيابي الذي تضاعف في الانتخابات النيابية الاخيرة، ومستثمرة من جهة أخرى في تناقضات أفرقاء سياسيين عديدين مع منافسها الأقوى على الساحة المسيحية، والمتمثّل في «التيار الوطني الحر».
ولعل الانجاز الأهم الذي حققته معراب هو نجاحها في استمالة الرئيس المكلّف سعد الحريري الى جانبها خلال مفاوضات التأليف، بعدما تمكن الجانبان من تجاوز «وَساوِس» أزمة الثقة التي نَخرت علاقتهما في المرحلة الماضية، وتحديداً عقب الاستقالة الملتبسة للحريري من السعودية.
وليس خافياً انّ التقارب بين الحريري ورئيس «القوات» سمير جعجع تمّ بمواكبة الرياض، التي كانت قد سَعت الى لمّ شملهما في فترة التحضير للانتخابات من اجل تحسين شروط المواجهة مع «حزب الله». لكنّ حسابات الطرفين آنذاك قادت الى افتراقهما في غالبية الدوائر، قبل ان تجمعهما مجدداً المصالح المشتركة، برعاية سعودية.
ويؤكد المطلعون على مسار ترميم العلاقة بين الطرفين انّ الحريري اكتشف بعد صدور نتائج الانتخابات وتشريحها انّ تحالفه مع «التيار الحر»، والذي نسجه نادر الحريري بشكل أساسي، خَدم الرابية بالدرجة الاولى وعاد عليها بالمردود الأكبر، بعدما تبيّن وفق مقاربة بيت الوسط للأرقام انّ الوزير جبران باسيل كان الأكثر استفادة من مفاعيل هذا التحالف، بينما دفع رئيس «المستقبل» ثمنه في اكثر من مكان، بحيث خسر مجاناً مقاعد عدة كان يمكنه ان يربحها لو اعتمد تكتيكاً مغايراً.
ويشير المطّلعون على هذه المراجعة الى انّ الحريري تَوصّل على ما يبدو الى قناعة بأنه لو تعاونَ انتخابياً مع «القوات» في بعض الدوائر، خصوصاً في الكورة وصيدا – جزين وزحلة التي تشكّل نقاط ارتكاز في الشمال والبقاع والجنوب، لزادَ حجم كتلة «المستقبل» بمعدّل 5 نواب تقريباً، الى جانب اتّساع إضافي لكتلة معراب أيضاً.
وأبعد من حسابات صناديق الاقتراع وإفرازاتها السياسية، يبدو انّ كلّاً من الحريري وجعجع شَعر بالحاجة في هذه المرحلة الى الاتّكاء على الآخر، لتحقيق حد أدنى من التوازن في السلطة مع رئيس الجمهورية و»التيار الحر» من جهة، ومع «حزب الله» وحلفائه من جهة أخرى، لا سيما انّ الرجلين يدركان انّ الخط الاستراتيجي العريض، الذي يجمع «التيار» وما كان يُعرف بفريق 8 آذار، استطاع عبر الانتخابات الاخيرة ان يملك الاكثرية، وبالتالي الأرجحية في مجلس النواب الجديد، الأمر الذي دفع رئيسَي «المستقبل» و»القوات» الى التلاقي مجدداً على قاعدة تقاطع الهواجس والمصالح.
ويلفت العارفون بخفايا المفاوضات بين الحريري وجعجع الى انّ مقولة شهيرة تحكّمت ضمناً بإيقاع نقاشاتهما، وهي «أُكلت يوم أُكل الثور الابيض». لقد اقتنع الرجلان بأنّ تجديد خلايا تحالفهما، ولو على قاعدة ما تَيسّر من قواسم مشتركة، إنما يشكل مصدر حماية لهما، وفرصة لتحسين شروط تفاوضهما مع الآخرين حول الخيارات السياسية ومكاسب السلطة، على طاولة مجلس الوزراء المقبل الذي سيكون مزدحماً بالصقور، بعدما قررت مكوّناته الثابتة ان تتمثّل بأوزان ثقيلة.
وانطلاقاً من هذه الارضية المشتركة، يدافع الحريري عمّا يعتبره حق «القوات» في الحصول على حصة وزارية وازنة تتناسب مع تمثيلها النيابي، وهو أبلغَ الى قيادتها عبر أقنية التواصل المعتمدة انه أكد لباسيل استحالة تشكيل الحكومة من دون «القوات».
أكثر من ذلك، يتفهّم الرئيس المكلّف مطلب معراب بنَيل عدد مناسب من الحقائب الوزارية، على ان تتوزّع بين سيادية وأساسية وعادية. وعُلم في هذا الاطار انّ جعجع يسعى الى انتزاع «الدفاع» او «الخارجية» او منصب نائب رئيس الحكومة المُصنّف لديه برتبة «سيادي» أيضاً.
ويوضح مصدر قيادي بارز في «القوات» انّ هذا الامر كان موضع بحث بين الرئيس نبيه بري وموفد لجعجع الى عين التينة. ويكشف المصدر انّ بري بعث برسالة شفوية الى جعجع انه و»حزب الله» لا يمانعان في حصول «القوات» على حقيبة سيادية، وليس لديهما مشكلة في ذلك، «إذا تفاهمتم مع التيار الحر في هذا الشأن».
وقال بري لضيفه: «المالية» لنا و»الداخلية» لتيار المستقبل، أما بالنسبة الى الحقيبتين الأخريين فهما من حصة المسيحيين في الحكومة المقبلة، وطريقة توزيعهما هي مسألة تُناقش بينكم وبين التيار.