تحقيق رولان خاطر
نعم. هي أكبر من فضيحة. هي ام الفضائح. عمليات تهريب مادتي البنزين والمازوت من سوريا إلى لبنان. مخطئ وكاذب من يقول إن هذه العمليات توقفت. هي مستمرة، وتزداد، ولن يُسمح بتوقفها. من ولماذا؟
ربما المنطقة التي يزدهر فيها هذا النشاط تظهر هوية من لا يريد وقف التهريب، ومن هي الجهة، التي تنظم، وتحمي، وتوزع، وتقبض. “نشاط بركاني” يمكن وصف ما يجري على الحدود، من سوريا نحو منطقتي بعلبك والهرمل، حيث الهوى “عشائري” والأمن “عشائري” والقرار لدولة “حزب الله”.
نقيب أصحاب محطات المحروقات سامي البراكس، يؤكد لـIMLebanon أن مسألة تهريب البنزين والمازوت وحتى غيرها من السلع والمواد الغذائية، لم تتوقف ولو خفّت نسبتها قليلا في المدة الأخيرة، لكن هذا الموضوع مزمن، والتهريب من سوريا الى لبنان يتم بوتيرة مرتفعة جداً، وبات كقصة “ابريق الزيت”.
من جهته، أكد مصدر “نفطي” مطلع على الملف طلب عدم ذكر اسمه، لـIMLebanon أن عمليات التهريب لم تضبط، الحدود مفتوحة، ولا يمكن معرفة حجم التهريب بدقة، لأن المهربين يستخدمون بطبيعة الحال طرقات جبلبية، وأراض غير خاضعة للرقابة، والنشاط التهريبي مستمر بشكل متواصل من سوريا إلى الهرمل وبعلبك، نافياً ان يكون هناك معابر أخرى للتهريب غير البقاع.
كيف يتم التهريب وأين؟
تجارة التهريب ليست جديدة على طول حدود منطقة البقاع الشمالي مع سوريا في ظل غياب العين الشرعية الساهرة على الحدود التي أصلا ليست مرسّمة بين البلدين، ما يعزز العمليات التجارية غير الشرعية والتهريب على أنواعه وخصوصاً مادتي المازوت والبنزين. جغرافية المنطقة الوعرة، أودية شديدة الانحدار والوعورة، عشرات القرى المتداخلة، وطول الحدود مع سوريا التي تبلغ نحو 60 كيلومتراً، كلها تشكل بيئة خصبة للتهريب والعبور غير الشرعي. ففي المنطقة ممرات التهريب والطرق غير المعبّدة لا تُحصى.
المعلومات تقول إن هناك انابيب ممددة تحت الأرض على طول نحو كيلومترين، فتقوم الصهاريج السورية بتفريغ حمولتها من البنزين أو المازوت في خزانات ضمن البقعة السورية، ومن ثم يتم نقل مادتي البنزين والمازوت من خلال ضخها عبر الأنابيب إلى الجانب اللبناني إلى بلدتي القصر وحوش السيد علي، اللتان يسيطر عليهما “حزب الله” أمنياً وسياسياً، ومن هناك تنطلق قوافل التهريب إلى مناطق لبنان.
سكة التصريف!
محطات البنزين عادة ما تكون متعاقدة مع شركات لتصريف كمية معينة من البنزين والمازوت، من هنا، فإن هذه المحطات “الشرعية” من المستبعد ولا مصلحة لها بأن تقبل بخلط موادها بالبنزين السوري، ولكن المشكلة أن هناك نحو 1500 محطة بنزين تعمل من دون ترخيص، ويوزع البنزين والمازوت السوري عليها، وتقوم هي بتصريفه، محققة أرباحاً كبيرة.
البراكس، أشار في هذا الإطار، إلى ضرورة وجود تنظيم يضبط عملية اعطاء التراخيص، وكنا قد عملنا على مشروع قانون تم تقديمه في عهد الرئيس اميل لحود، وكاد أن يبصر النور، لولا مجيء الوزير جبران باسيل لاحقاً، الذي أضاف إليه مسألة الغاز، مما خلق الكثير من التعقيدات، وتوقف القانون ولم يصبح نافذا، من هنا، ندعو إلى ضرورة تنظيم وضبط رخص المحروقات كونها تساعد أيضاً في لجم التهريب.
حجم الخسارة!
معلوم ان الدولة اللبنانية تفرض على كل صفيحة بنزين رسوماً تبلغ 8 الاف ليرة، وهذا ما يعزز عملية التهريب، بحسب ما يقول المصدر المطلع، الذي أشار إلى أن هذه الضريبة غير موجودة على البنزين في سوريا، هذا أولا، أما على مستوى المازوت فالمواصفات تختلف أيضاً بين المازوت السوري والمازوت اللبناني، موضحاً أن الفرق بين سعر صفيحة البنزين السوري والبنزين اللبناني يصل الى دولارين.
وبعملية حسابية بسيطة، فاذا كان معدل التهريب يومياً هو حوالي 50 الف تنكة بنزين كما أشار سابقاً وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، فإن حجم المبلغ او الأرباح غير الشرعية التي يحصل عليها المهربون ولا تخضع لصندوق الادارة اللبنانية يصل إلى 100 ألف دولار يومياً. علماً أن جودة البنزين السوري تختلف عن اللبناني، فالبنزين المهرب يشكل خطراً على صحة الانسان والبيئة وحتى على محركات السيارات.
ممنوع ضبط التهريب!
تهريب البنزين والمازوت يتم بشكل منظم، لأن المسألة تتخطى المنطق التجاري إلى ما هو أكبر منه، بحيث تشكل خطراً ليس فقط على المالية العامة، بل على الاقتصاد اللبناني برمته والأمن الاقتصادي الوطني. وربما معرفة الخلفية يغني عن معرفة سبب عدم توقف هذا النشاط التهريبي منذ سنوات، وان هناك قوى لبنانية وسورية تنظم هذه الفوضى.
المصدر “النفطي” كشف لـIMLebanon أن استمرار النشاط التهريبي عبر الحدود، خلفياته ليست تجارية محض، إذ قد تكون عمليات تهريب البنزين والمازوت ممرا لتهريب الأموال، أي إدخال العملة الأجنبية الصعبة إلى داخل سوريا. بمعنى، ان من يريد أن يهرّب عملة صعبة الى سوريا، لا يتغاضى عن بيع البضاعة التي لديه للبنان بأسعار منخفضة، كمادتي البنزين والمازوت وغيرها من السلع المهربة، مقابل إدخال عملة أجنبية الى سوريا.
بروفسور جاسم عجاقة، شرح لـIMLebanon الناحية الاقتصادية لانعكاس عمليات التهريب على سوريا، فقال: “معلوم ان هناك عقوبات على النظام السوري وهذه العقوبات حقيقية وموجودة، ومن بينها عقوبات على النظام المصرفي السوري، من هنا، فإن الحدود يمكن الاستفادة منها لادخال عملات صعبة على البلد لدعم الليرة السورية”.
ويشرح بأن العملية تتم عبر قيام المهربين ببيع مواد معينة وبأسعار منخفضة واشتراط قبض ثمنها بالدولار، وهذه العملات الصعبة من الطبيعي ان تؤدي إلى دعم الليرة السورية.
هذا الأمر، من غير المستبعد أن يكون سياسة منتهجة من قبل النظام السوري لدعم قطاعه المصرفي عبر الطرق غير الشرعية، كما تقول المصادر مطلعة على الملف، خصوصاً أن الحدود مع العراق ايضاً مفتوحة، وهناك معلومات عن أن عمليات التهريب مزدهرة على نقاط عدة من الحدود العراقية – السورية بسبب وجود التنظيمات الارهابية هناك.
وعما اذا يمكن ان تكون هذه التجارة حيوية للنظام السوري، يشير عجاقة إلى أن هذا الأمر مرهون بحجم التهريب خصوصا انه لا توجد ارقام حقيقية تظهر بوضوح مؤشر النشاط التهريبي. يبقى أن المحرك الاساسي لعمليات التهريب هي كلفة البضائع الموجودة في سوريا التي هي اقل من كلفة البضائع الموجودة في لبنان، وهو ما يدفع التجار إلى الافادة أيضاً من هذا الوضع.
الحل؟!
يبدأ الحل أولا بخفض الرسوم المفروضة على مادتي البنزين والمازوت، التي بات اللبنانيون يشكون بان ارتفاعها أسبوعياً وفرض رسوم كبيرة على الصفيحة يشكل تواطؤا من قبل الدولة لتشجيع عمليات التهريب، وثانياً، بفرض رقابة مشددة على الحدود، وثالثاً والأهم، الدخول إلى العنصر “السياسي” وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا.
لكن، يبدو أن المسألة معقدة جدا، ولا حل لها، خصوصاً انه في ظل استمرار الأزمة السورية، وفلتان الحدود، وسيطرة ميليشيات “حزب الله” على طول الحدود مع سوريا، واستفادة مرجعيات عدة من التهريب إلا الدولة اللبنانية، من المستبعد أن تعمد هذه الدولة الى اتخاذ تدابير رقابية مشددة عبر المنافذ الحدودية ووضع حد للتفلت القائم هناك، بسبب دخول العامل السياسي بالتقني وبالأمني.
من هنا، يقول البراكس ان الدولة هي الوحيدة القادرة على ضبط التهريب وحماية المنتوجات والاقتصاد اللبناني، لكن هذا لا يحصل، فهي غير قادرة على ضبط عمليات التهريب لأسباب غير معروفة.