كتبت رنا سعرتي في صحيفة “الجمهورية”:
لم تعد المؤسسات الدولية قادرة على غضّ النظر عن وضع لبنان المالي والاقتصادي، واصدار توقعات أو تصنيفات ايجابية، لان نسبة ديون لبنان إلى ناتجه الإجمالي هي ثالث أكبر نسبة من نوعها في العالم. في المقابل، ليس هناك جهود حكومية رسمية بعد في ظلّ مرحلة تصريف الاعمال الحالية، لبدء الاصلاح المالي والاقتصادي المنشود الذي شدد رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري على ضرورة المضيّ قدماً به.
تخطت التحذيرات النطاق المحلي أمس، حيث أصدر كلّ من صندوق النقد الدولي ووكالة «موديز» للتصنيفات الائتمانية بيانات سلبية حول وضع لبنان. جاء بيان الاول أشدّ لهجة وخطورة إذ شدد على ضرورة ضبط الدين العام بشكل فوري وكبير، في حين كان بيان «موديز» أكثر تفاؤلاً رغم ان الوكالة حذرت من انها ستخفض تصنيف لبنان إذا استمر انخفاض تدفقات الودائع وزادت بالتالي، مخاطر حدوث أزمة في ميزان المدفوعات.
صندوق النقد
قال المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي إن لبنان يحتاج إلى ضبط مالي «فوري وكبير» لتحسين القدرة على خدمة الدين العام الذي تجاوز 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2017.
وقال بيان للصندوق ليل امس الاول، إن المديرين التنفيذيين اتفقوا مع فحوى تقييم للخبراء حث لبنان في شباط الماضي، على التثبيت الفوري لأركان سياسته المالية عن طريق خطة ضبط تستهدف استقرار نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي ثم وضعها على مسار نزولي واضح.
كما شدد المديرون على «أن ضبطا ماليا فوريا وكبيرا يعدّ ضروريا لتحسين القدرة على خدمة الدين، وهو ما سيتطلب التزاما سياسيا قويا ومستداما».
وجدد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي تقديراته لنمو اقتصادي منخفض بين واحد و1.5 بالمئة في 2017 و2018. وقال ان «المحركات التقليدية للنمو في لبنان تقبع تحت ضغط في ظل الأداء الضعيف لقطاعي العقارات والإنشاءات ومن المستبعد أن يكون أي انتعاش قوي قريبا. وبالنظر إلى المستقبل، وفي ظل السياسات الحالية فمن المتوقع أن يزيد النمو تدريجيا صوب 3 بالمئة على المدى المتوسط».
وفيما تعهد الحريري بخفض نسبة عجز الميزانية للناتج المحلي الإجمالي 5 بالمئة على مدى خمس سنوات، قال مديرو الصندوق إن «استراتيجية مالية واضحة المعالم، تشمل مزيجا من إجراءات الدخل والإنفاق، بما يصل إلى حوالي خمس نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، تعدّ طموحة لكنها ضرورية لتحقيق استقرار الدين العام ووضعه في مسار نزولي على المدى المتوسط».
وأوصوا بزيادة معدلات ضريبة القيمة المضافة وكبح أجور الوظائف العامة وخفض دعم الكهرباء تدريجيا.
موديز
بدورها، اشارت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، التي تمنح لبنان تصنيف B3 مع نظرة مستقبلية مستقرة، الى إن نسبة فوائد الديون إلى الإيرادات في لبنان هي الأعلى في العالم عند 42.9 بالمئة.
وقالت المحللة لدى موديز إليسا باريسي-كابوني في بيان أمس: «يتضافر هذا مع متوسط أجل استحقاق بنحو خمس سنوات ليسلط الضوء على حساسية لبنان البالغة لزيادات أسعار الفائدة».
ورأت «موديز» ان الوضع الائتماني للبنان يعكس عبء الدين الكبير جدّاً الذي يتحمله. كما اعتبرت ان تدني مستوى المتانة الاقتصادية للبنان يعكس تواضع مستويات دخل الفرد، وضيق آفاق النمو، والقابلية للتضرر من صدمات خارجية.
من ناحية نسب النمو المتوقعة، بدت موديز أكثر تفاؤلا إزاء توقعات نمو لبنان عن صندوق النقد، حيث قالت ان الاقتصاد نما حوالي 1.9 بالمئة في 2017 متوقعة نموه بنسبة 2.5 بالمئة في العام 2018 و3 بالمئة في 2019. ولفتت الى ان اتجاه النمو اللبناني تأثر بشدة بتدهور البيئة الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
وارتكزت نظرة «موديز» على توقعات لمزيد من التنسيق في السياسة الاقتصادية وانحسار الصراع في سوريا وبدء تدفق الأموال التي وعد بها المانحون خلال مؤتمر «سيدر».
كما أخذت «موديز» في الاعتبار ضمن نظرتها المستقرة للبنان، الاحتياطيات الأجنبية الكبيرة لدى لبنان «الذي أثبت قدرته على الصمود في مواجهة الاضطرابات السياسية في السنوات الأخيرة».
وحذرت «موديز» من انها ستخفض تصنيف لبنان إذا استمر انخفاض تدفقات الودائع الذي يشير إلى زيادة مخاطر حدوث أزمة في ميزان المدفوعات. في المقابل، أكدت انها سترفع تصنيف لبنان إذا حققت الإصلاحات المالية استقرارا يتبعه تغيير في مسار الدين قابل للاستمرار طويلا.
نحاس
ورغم اعتباره ان تحذيرات المؤسسات الدولية تتكرر اكثر من مرّة كلّ عام، أكد النائب نقولا نحاس لـ»الجمهورية»، «لا يعني ذلك أننا نستطيع تجاهلها. إلا ان المهمّ في الموضوع ان التحذيرات تتكرر منذ سنوات عدّة ولا حياة لمن تنادي!»
وأمل في ان يكون تكرار الإنذارات حافزاً للتبصّر بعدم امكانية الاستمرار بالنهج أو الذهنية الحالية.
وجزم نحاس ان الوضع المالي والاقتصادي وصل الى الخط الاحمر منذ فترة كبيرة، موضحا «ان بلوغنا الخط الاحمر يعني دخولنا في دائرة الخطر «Danger Zone» وهي عبارة عن فترة لا يمكن تحديد مدّتها الفعلية لان أي صدمة يمكن ان تأثر او تُحدث تغييراً».
كما أكد ان امكانية الخروج من دائرة الخطر قائمة، لكنها تتطلب إصلاحاً سياسياً قبل الاصلاح المالي، «ويتوجب على كافة المسؤولين من دون استثناء، اليوم قبل الغد، إرسال مؤشرات الى المؤسسات الدولية والشعب اللبناني، بأنهم يعوا بشكل كامل المخاطر التي تحيط بنا، وان يُطلعونا على كيفية معالجة أسباب التدهور، السياسية أوّلاً، والتي نتج عنها التدهور المالي والاقتصادي والاجتماعي».
وحول امكانية التوصل الى إلتزام سياسي لتطبيق الاصلاحات، قال نحاس «ان المحاصصة وتوزيع المغانم بالمفهوم غير الديمقراطي المتّبع في ممارسة الحكم، يصعّب التوصل الى التزام سياسي في التغيير».
واشار نحاس الى انه طرح على الرئيس الحريري ان يلتزم كافة الفرقاء السياسيين بالاصلاحات المقرّة في مؤتمر «سيدر» قبل تشكيل الحكومة «لان الالتزام يصبح أصعب بعد التأليف».
وردّا على سؤال، شدد على ان مجرّد تأليف الحكومة لا يعني استئناف الاصلاح، وتساءل: «متى غيّرت أي حكومة متعاقبة منذ العام 1992 لغاية اليوم نهجاً أو مساراً. النتيجة هي نفسها دائماً مهما كان الرئيس او الحكومة أو الوزراء».
أضاف: هذا النهج السياسي يُنتج هذا النوع من المردود الاقتصادي والمالي والنقدي. ولكنّ هذا الامر يجب ان يتغيّر لاننا أصبحنا في دائرة الخطر ولا تملك الطبقة الحاكمة، خياراً آخراً.