Site icon IMLebanon

ولادة الحكومة مرهونة بتدوير زوايا آخِر العقد

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: رغم «المدّ والجزر» في المساعي الحثيثة لتأليف الحكومة الجديدة في لبنان، فإن بيروت تعيش مناخَ ولادةٍ وشيكةٍ لتشكيلةٍ حكوميةٍ تَجمْع القوى الأساسية في البلاد وتسمح بانطلاقةٍ متجددة لعجلة الحُكم بما يتيح التصدّي للتحديات السياسية والمالية والاقتصادية ومواجهة مرحلة التحولات الكبرى في المنطقة.

… قد تولَد اليوم، وربما في غضون أيام قليلة، وقد لا تبصر النور قبل أسبوعين. على وقع هذه «البورصة» نشطتْ الاتصالات في الملف الحكومي بعدما عَمَدَ الرئيس المكلف سعد الحريري إلى «فتْح التوربو» للتواصل إلى توافق على صيغةٍ من ضمن مسارٍ يبدأ بالتفاهم على حصص الأطراف قبل بتّ الحقائب لكلّ منها وأخيراً إسقاط الأسماء عليها.

وبعدما بدا أمس أن الأجواء التفاؤلية بإمكان ولادة الحكومة اليوم «تفرْملتْ»، فإن مصادر على صلة بالاتصالات الجارية أبلغتْ إلى «الراي» أن الاندفاعة الإيجابية ما زالت قائمة وأن احتمالات بتّ الملف الحكومي قبل سفر رئيس البرلمان نبيه بري بحلول منتصف الأسبوع المقبل ما زالت قائمة، موضحة أن الرئيس الحريري ماضٍ في مساعيه الماراثونية لتذليل العقد عبر العديد من الصيغ والأفكار التي يجري التداول بها خلف الأبواب الموصدة وعبر «ديبلوماسية الواتساب» بهدف تدوير زوايا مسألتيْ حصتيْ كتلة «القوات اللبنانية» وزعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.

وفي ضوء الصيغة التي حَمَلَها الحريري أول من أمس الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بدا واضحاً أن هاتيْن العقدتيْن اللتين احتلتا الحيز الأبرز من المشاورات يوم أمس تتمحوران حول الآتي:

مطالبة «القوات اللبنانية» بالحصول على خمسة مقاعد وزارية بينها نيابة رئاسة الحكومة أو حقيبة سيادية، وسط تقارير عن أن الحريري يدعم «القوات» في مطلبها، مقابل تحَفُّظ الرئيس عون وتكتله النيابي (لبنان القوي) الذي ما زال يعرض 3 وزراء لـ «القوات» انطلاقاً من دعوته إلى وجوب اعتماد معيار واحد لتمثيل الكتل في الحكومة، ما يعني وجوب مشاركة «لبنان القوي» بسبعة وزراء وليس 6 كما طرَح الرئيس المكلف.

وفي رأي أوساط مطلعة عبر «الراي» ان ما يحصل في هذه النقطة يرتبط بالتوازن داخل الحكومة، مشيرة إلى أن الرئيس عون يريد أن تكون حصته مع «لبنان القوي» 10 وزراء (9 مسيحيين وسنّي) من دون أن يمانع حصول «القوات» على أربعة مقاعد مقابل واحد لتيار «المردة»، في حين أن مقاربة «القوات» تقوم على معادلة: 9 لعون وتكتّله و5 لها وواحد لـ «المردة».

ولا تَستبعد هذه الأوساط أن يكون هدف السقوف المرتفعة تفادي حصول عون لوحده على عشرة وزراء، أي ثلث الحكومة، وان «تدوير الزوايا» الذي لا يمكن أن يكون وفق الأوساط نفسها من جانب واحد بل يفرض تنازلات متبادلات قد يفضي إلى معادلة 9 لعون وتكتله و4 لـ «القوات» وواحد لـ «المردة» وواحد إما «مشترك» بين «القوات» وعون وإما يذهب لطرف آخر مثل «تيار المستقبل» أو سواه.

الإصرار القاطع من جنبلاط على حصْر الحصة الدرزية كاملة (3 وزراء) بحزبه أي رفْض أي توزير للنائب طلال إرسلان من هذه الحصة، وسط معلومات عن أن الزعيم الدرزي الذي زار وفد منه أمس رئيس البرلمان نبيه بري يرفض ما يُطرح عن صيغ لتمثيله بوزيرين درزييْن على أن يكون الثالث قريباً منه ومن ارسلان.

وفيما تشير معطيات إلى أن أي بحث في تمثيل جنبلاط بوزير مسيحي عوض الدرزي الثالث يصطدم أولاً برفض رئيس «التقدمي» وثانياً بعدم حماسة تكتل عون لمثل هذا الخيار، كما بكون التزاحُم العوني – القواتي على الحصة المسيحية يضيّق أي هوامش في هذا الإطار، فإن بعض الدوائر تتحدّث عن «ورقة» ما زالت «في الجيْب» قد تكون «مفيدة» بحال سُدّت كل أبواب التفاهم مع جنبلاط وتقوم على إمكان توزير الرئيس عون من حصته شخصية مسيحية أرثوذكسية قريبة من إرسلان مثل مروان أبو فاضل.

وفي حين تشيع بعض الأوساط القريبة من «لبنان القوي» انه وفق معيار التمثيل العددي للكتل على قاعدة «لكل أربعة نواب وزير»، يكون لكتلة «اللقاء الديموقراطي» (المحسوبة على جنبلاط) وزيران، ترفض مصادر «الاشتراكي» بحزم أي مقاربةٍ للتمثيل الدرزي من زوايةٍ عددية وتصرّ على ميثاقية هذا الأمر، مؤكدة أن الانتخابات حسمتْ التمثيل الدرزي بغالبيته الساحقة لمصلحة جنبلاط وأن أي قفْز فوق هذا الواقع يُعدّ لعباً خارج قواعد الميثاقية التي لطالما رفع لواءها «التيار الوطني الحر» تحت شعار «الأقوى داخل طوائفهم».

وإذ عَكس بري أمس مناخ المراوحة وإن ضمن دائرة التفاؤل بقوله «كان الأمل بأن تبصر الحكومة النور الجمعة ولكن الظاهر أن شيئاً ما ليس جاهزاً بعد، والعقدة داخلية والحل لدى الرئيسين عون والحريري»، يبدو ان التفاهم على الحصص لن يكون وحده كافياً للإفراج عن الحكومة وسط توقُّع شدّ حبال جديد حول توزيع الحقائب رغم التقارير عن حسْم بعضها لهذا الطرف أو ذاك.

وفي موازاة المقاربة العددية لمسار التأليف، تتوقف مصادر سياسية مطلعة عبر «الراي» عند نقطتيْن بارزتيْن هما:

ان قواعد التأليف ومعاييره تستند عملياً، مع فوارق قد تكون ضئيلة جداً، الى التوازنات التي ارتكزت عليها حكومة التسوية الرئاسية، ما يعني عدم قدرة «حزب الله» على ترجمة نتائج الانتخابات النيابية التي اعتبرها، ومن خلفه إيران، «نصراً» له داخل الحكومة، وهو ما سيشكّل عامل طمأنة للمجتمع الدولي والعربي الذي ينتظر ولادة الحكومة لتسييل الدعم الذي سبق ان عبّر عنه للبنان خصوصاً في مؤتمر «سيدر 1».

ان الرئيس الحريري الذي كان وُضع في الفترة الأخيرة في موقع دفاعي عبر «الهجوم الممنْهج» من قوى «8 آذار» عليه عبر اتهامه بتعمُد التأخير في استيلاد الحكومة لاعتباراتٍ خارجية لا سيما سعودية وأميركية، رمى الكرة بحركته التسريعية الكبيرة في اليومين الماضييْن في ملعب الآخرين، مُسْقِطاً أي بُعد خارجي عن ملف التشكيل وواضعاً نفسه في موقع تفاوُضي أقوى.