Site icon IMLebanon

لماذا السائق اللبناني دائماً “معصّب”؟ 

كتب انطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

مَن منا لم يصل إلى عمله قلقاً وعصبيّاً بسبب قيادة بعض الأشخاص المتهوّرة والتي كادت أن تحصدَ حياته؟ ومَن منا لم ينتظر ساعاتٍ على الطرقات اللبنانية بسبب «عجّقة السير» دون مبرِّر لها؟ ومَن منا لم يكن ضحيّة حادث سير لا دخلَ له فيه لا من قريب ولا من بعيد؟ وطبعاً مَن منا لم يصل إلى بيته في المساء «مسكّر راسو» بسبب زحمة السير التي لا سببَ ظاهراً لها؟ وكما يقول العالم الكميائي «لافوزيه Lavoisier»: «لا شيءَ يُفقد، لا شيءَ يُخلق، كلُّ شيءٍ يتحوّل»، وذلك يعني أنّ هذا «التعصيب» والقلق والشعور بالإنزعاج، وكل تلك المشاعر لن تذهب سدىً، بل ستتحوّل إلى مشكلاتٍ جسديّة وطبعاً إضطراباتٍ نفسيّة عند السائق اللبناني. فهل مِن حلّ؟

قيادة السيارة بشكل متهوّر، إختناقٌ لحركةِ المرور الكثيفة، مشاة لا يحترمون قواعد سلامة السير، إنحرافات السيارات بشكل خطير، دراجات نارية تمرّ بين السيارات بشكل جنوني، ومخالفات من جميع الأطراف، هذه هي قيادة السيارات في لبنان. طبعاً لا يمكننا أن نجمّل هذه «الظواهر» ولكن هناك شريحة لا بأس بها من الشعب لا تعبأ لحياتها ولا لحياة غيرها خلال القيادة وذلك يؤدّي إلى مشكلات مرورية عديدة.

«عجقة السير» والراحة النفسية!

من المعروف بأنّ تعرّضَ السائق لفترات طويلة من «عجقة» السير، واستغراق ساعاتٍ عدّة للوصول إلى بيته… وخطورة القيادة بين السيارات المتهوّرة وغيرها من الأمور تسبّب له آثاراً سلبية على حياته الجسدية والنفسية.

من الآثار الجسدية، مشكلات في ضغط دمه ما بين الإرتفاع والإنخفاض بسبب التشّنجات التي يعيشها خلال الوقت الذي يقضيه على الطرقات، بالإضافة إلى مشكلات صحية أخرى.

أما بالنسبة للآثار النفسية، فهي كثيرة نذكر منها: القلق والتوتر. فالكثير من الأشخاص يشعرون بخوف وتوتر قبل خروجهم من بيتهم وتوجّههم إلى عملهم خشيةً من «مشكلات السير» التي يمكن أن تحدث معهم خلال إنتقالهم من جبهة «البيت» إلى جبهة «العمل»، وكأنّ حرباً ضروساً يجب أن يقوم بها السائق للوصول إلى عمله.

وبسبب التوتر الذي يعيشه السائق اللبناني، ذلك يؤثر (منطقياً) على مزاجه الذي بدوره سيتأثر سلباً وسيؤدّي إلى مشكلات علائقية مع زملائه في العمل أو مع أفراد عائلته أو حتى مع أصدقائه.

قيادة السيارة وتحليلها النفسي

قيادة السيارة بشكل عام تُعزّز لدى الإنسان حبَّ التسلّط والتحرّر وطبعاً إثبات الذات، فالكثير من الأشخاص عندما يجلسون خلف المقود، يشعرون بأنهم يسيطرون بشكل كامل على حياتهم ويريدون التحكّم بالسيارة كما لو أنهم يريدون التحكّم بحياتهم.

أما السيارة (بشكل عام) فهي كمأوى أو «البيت الدافئ» للسائق وكل شخص يتعرّض لحرمة هذا «البيت» سيعاقب. لذا السائق، بشكل غير واعٍ، سيحمي سيارته من «الأخطار الخارجية»، وعدم السماح لأحد المساس بها، فتصبح من «المقدّسات عنده». وطبعاً عندما نتكلم عن السائق، لا نذكر السائق الذكر فقط بل الأنثى أيضاً، ولو أنّ «المحتويات» والترتيبات داخل السيارة، تختلف ما بين الجنسين. عند الشباب، السيارة هي محتوى «للحاجيات الأساسية» وتكون عادة مرتبة جداً نسبةً لسيارة الفتيات التي تأخذ معنى المحتوى «للترتيبات الأساسية»: من ثياب ومكياج وعدد من الأحذية… وصولاً إلى الأكل والشرب.

إذاً تأخذ السيارة معنى «الإستقلالية» عن العالم الخارجي والتفرّد، وكل سائق آخر يتعرّض له على الطريق، سيأخذ معنى التعرّض «لحياته الخاصة وشخصه». لذلك عندما يقع حادث بين سيارتين، يتحوّل، بعض الأحيان، هذا الحادث إلى «دراما» تتخطّى في بعض الأوقات المنطق (مثلاً إستعمال السلاح لأفضلية المرور) بسبب الشعور اللاوعي بالتعرّض للحياة الشخصية للسائق.

حوادث السير والعامل النفسي

هناك أسباب «لوجيستية» يمكن أن تكون السببَ المباشر لحوادث السير وهي التالية:

إستعمال الخلوي خلال القيادة

سوء تصميم الطرق

عدم الإنتباه لإشارات السير وعدم الالتزام بالقواعد كالسرعة الزائدة

قيادة سيارة قديمة جداً لم تخضع لأيّ صيانة

عدم وضع الأطفال في المقاعد الخلفيّة المخصَّصة لهم

عدم وضع الخوذات الواقية للدرّاجات النارية

أما الأسباب النفسيّة التي يمكن أن تكون السببَ المباشر لحوادث السير فهي التالية:

أولاً، شربُ الكحول وتناول المخدرات، ما يمكن أن يسبّب حوادثَ سير مميتة، فالإدمان يؤثر على الإدراك الحسّي والتوافق العضلي-العصبي عند السائق، الذي يُفقده تركيزَه.

ثانياً، الغضب وعدم القدرة على السيطرة عليه ما يؤدّي إلى مشكلات في القيادة منها السرعة وحوادث السير.

ثالثاً، التكوين الشخصي للإنسان. فمثلاً، «الشخصية الخوافيّة» التي تتميّز بالقلق والخوف أقل عرضةً لحوادث السير من أصحاب الشخصية النرجسية.

رابعاً، العبءُ النفسي والقلقُ يزيدان من نسبة حوادث السير.

خامساً، تناول العقاقير النفسيّة والأدوية المنوِّمة والمهدِّئات والمنشّطات وغيرها تجعل السائق ضحيّة الحوادث إذ يفقد القدرة على تلافي المواقف المفاجِئة.

وأخيراً، المشكلاتُ الفردية والعائلية يمكن أن تكون سبباً غير مباشر لحوادث السير.

… والحل؟

لا يكمن فقط الحل في قوانين الدولة وعند المسؤولين السياسيين فحسب بل لدى الشعب أيضاً، من خلال وعيه حول موضوع السلامة العامة وسلامة المرور واحترام قواعد السير.

على صعيد الدولة، بإمكانها القيام بتنظيماتٍ وقائية لزحمة السير للتخفيف من مرور السيارات خصوصاً عند زيارة لبنان شخصيات سياسية. وطبعاً دور الدولة هو الحفاظ على حياة هذا السياسي ومساعدته للوصول إلى إجتماعاته بشكل سريع. ولكن أيضاً على الدولة عدم نسيان شعبها الذي لديه عمل ومسؤوليات أيضاً، لا تقلّ أهمّيةً عن هذا الزائر الذي لا يُعامل بالمثل السياسي اللبناني عند زيارته في بلده.

للتخفيف من الإضطرابات النفسية بسبب القيادة في لبنان، على كل شخص احترام قانونَ السير وشرطيّ السير وتنظيماتِه. كما يجب تطبيق قانون السير، 24 ساعة يومياً، 365 يوماً في السنة وليس فقط تطبيقه على فئة معيّنة من السائقين.

على الصعيد التربوي، التربية المدنية في المدارس والتوعية حول موضوع «قانون السير والقيادة الحضارية» يجب أن تكون محوراً تعليميّاً لجميع التلامذة في المدرسة والطلاب في الجامعات. كما يمكن إستعمال وسائل التواصل الإجتماعي وطبعاً الإعلان والإعلام للتوعية عن هذا الموضوع الأساسي في حياة الشعب اللبناني.