Site icon IMLebanon

ألبانيا: مركزٌ أميركي لـ”العائدين” من الشرق؟

كتبت رنا حربي في “الاخبار”:

«العائدون الجدد»: مصطلح يختصر الظاهرة التي ما زالت تنشر القلق في أوروبا والعالم بعد انحسار تنظيم «داعش» في العراق وسوريا. ظاهرة أبطالها هم في جزء كبير أبناء تلك البلاد التي غضت الطرف عن تدفقهم إلى بؤر الصراع، ظناً منها كما يُقال بأنّهم «ذاهبون بلا عودة». «الجديد» حالياً هو في بروز أحاديث عن أنّ ألبانيا قد تتحول إلى «ملاذ آمن للعائدين»، وذلك وفق «تصوّر أميركي» برز في ظل الخلافات الأوروبية حول مصير هؤلاء. بمعنى آخر: تتحول ألبانيا إلى «مركز تنسيق للمقاتلين العائدين»… برغبة أميركية.

حلم «الخلافة الإسلامية» على أرض سوريا والعراق تبدد. سقوط معاقل «داعش» واستعادة الأراضي التي سيطر عليها التنظيم وبقاء عدد كبير من عناصره على قيد الحياة لم يكن في الحسبان. اليوم، يعود هؤلاء إلى «الحضن» الذي كانوا فيه قبل العبور نحو «الجاهدين، السوري والعراقي».

«العائدون» بدأوا شد الرحال منذ أن بدأت ملامح السقوط الحتمي تتبلور. البعض تسلل إلى حيث أتى كما سبق أن فعل حين خرج، فيما ثمة أحاديث عن أنّ عدداً آخر «وقف في صفوف اللاجئين عند الحدود أو جلس معهم في قوارب الموت» التي لم تفرّق بين الجلاد والضحية.

في حين باستطاعة الدول الأوروبية التعامل مع هؤلاء بالطريقة التي تناسبها من دون إحداث أي ضجة، فإنّها أمام اختبار علني في ما يخص المقاتلين الأوروبيين الذين اعتقلتهم الحكومتين السورية والعراقية، أو فصائل المعارضة المختلفة، لا سيما تلك الحليفة للولايات المتحدة في العراق وشمال سوريا. ما مصير هؤلاء؟ سؤال بلا جواب، بات هاجساً دفع قادة القارة العجوز إلى عقد سلسلة من الاجتماعات التي لم تثمر عن أي نتائج ملموسة.

«العائدون» فجروا خلافات عميقة في صفوف الاتحاد الأوروبي نفسه، وأيضاً بينه وبين الدول غير الأعضاء في وسط وشرق أوروبا. في هذا الصدد، تُعدّ دول البلقان ملاذاً آمناً للمقاتلين العائدين إلى القارة، وهو تخوّف عبرت عنه مجتمعات هذه الدول. وفي حين حذّرت الولايات المتحدة في السابق من مغبة أن يجد «الجهاديون» موطئ قدم لهم في منطقة لا تزال تتعافى من ماضيها الدموي، فإن سلسلة من التقارير الصحافية الصادرة حديثاً تتداول مقترحاً أميركياً لإرسال «العائدين» من سوريا والعراق إلى ألبانيا.

في مؤتمر صحافي عقب قمة عقدت بين دول الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان في صوفيا الشهر الماضي، أعرب رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاياني، عن قلقه من «المقاتلين الأجانب الذين يعودون من سوريا والعراق إلى أوروبا وإلى البلقان وكوسوفو وغيرها»، مشيراً إلى أن «عدداً من الجهاديين يذهبون إلى البوسنة والهرسك كبديل أسهل عن بلادهم».

في حين لا تتوافر أرقام دقيقة عن أعداد الذين التحقوا بصفوف «داعش» من جهة، والذين عادوا بعد مشاركتهم في المعارك من جهة أخرى، فقد أعلن منسق الاتحاد الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب جيل دي كيركوف، أن «ما لا يقل عن 5 آلاف شخص من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي انضموا بالفعل إلى صفوف التنظيم»، في وقت من المتوقع «عودة من لم يلق حتفه»، ويُقدّر عدد هؤلاء بين ألفين و2500 شخص.

وفي اجتماع عقد في روما في شباط الماضي، لم يتوصل وزراء دفاع 14 دولة من البلدان المشاركة في «التحالف الدولي ضد داعش» إلى اتفاق حول مصير الأجانب المعتقلين في سوريا. ووفق ما نُقل، فقد «رفض الوزراء الأوروبيون اقتراحاً أميركياً قدّمه وزير الدفاع جايمس ماتيس، يدعو إلى نقل من قاتلوا في صفوف التنظيم إلى بلدانهم بهدف محاكمتهم»، وسط «تخوّف أميركي من أن يعود هؤلاء للقتال مجدداً في حال تمكنوا من الفرار بسبب الوضع الأمني الهش في سوريا عموماً وفي شمالها خصوصاً».

لكن في ظل العقبات التي واجهها الاقتراح، يبدو أن لواشنطن اقتراحاً جديداً. فقد كشف تقرير صحافي بعنوان «بعد مجاهدي خلق، القوات الأميركية تجبر ألبانيا على استضافة داعش»، نشره الثنائي آن ومسعود خودابانده في الثامن من الشهر الجاري، أن الولايات المتحدة «ضغطت» على ألبانيا لتسمح بدخول «العائدين» من سوريا والعراق إلى أراضيها، في خطوة قارنها التقرير «بتلك التي اتبعها الغرب مع منظمة مجاهدي خلق قبل عامين».

ووفق الخبيرة والناشطة في ملف مكافحة الإرهاب والتطرف البريطانية آن سنغلتون، وزوجها مدير مركز «الشرق الأوسط للاستشارات الاستراتيجية» الإيراني مسعود خودابانده، فإن المخطط الأميركي ليس مفاجئاً، إذ سبق لواشنطن أن قامت بإجبار ألبانيا على «استضافة عدد من غير المرغوب فيهم على أراضيها». ففي عام 2005، أرسلت الولايات المتحدة خمسة صينيين مفرج عنهم من غوانتنامو إلى ألبانيا، في حين قامت بين عامي 2013 و2016 بنقل أكثر من 2901 عنصر من حركة «مجاهدي خلق» من العراق إلى هذه الدولة نفسها.

المقترح الأميركي طفا على السطح مطلع الشهر الجاري، حين أعلن رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الألباني إيدي راما، في العاصمة الألبانية تيرانا، أنّ الأخيرة «ستصبح مركز تنسيق للمقاتلين العائدين من داعش إلى أوروبا والبلقان». إلا أنّ هذا التصريح المثير للجدل فجّر موجة انتقادات واسعة لإيدي راما، الذي لم يعلّق في حينه على الموضوع أو يقدّم أي تفاصيل إضافية حول المخطط الذي لا علم للبرلمان الألباني في أنه مطروح على الطاولة. وفي حين أنكرت تيرانا لاحقاً في بيان رسمي صحة تصريح رئيس الوزراء البلغاري، مؤكدة «عدم صحة التقارير حول إقامة معسكر لداعش في مدينة (كروجا) الألبانية»، فإنها ليست المرة الأولى التي يجري الحديث فيها عن الدور الذي ستلعبه الأخيرة في ملف «عودة متطرفي أوروبا». ففي أيار عام 2017، أعلنت وزيرة الدفاع الألبانية أولتا جاتشكا، إنشاء «مركز أبحاث» يهدف إلى دراسة ظاهرة المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بـ«داعش»، معتبرة أن بلادها تملك «الخبرة» اللازمة في هذا المجال. وهو الأمر الذي أكّده رئيس وكالة الاستخبارات والأمن في ألبانيا، قائلاً: «لدينا الخبرة المناسبة للمساهمة في دراسة ومعالجة ظاهرة المقاتلين الأجانب»، في إشارة إلى عناصر «مجاهدي خلق»، وهي الحركة التي كانت على «اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية» حتى عام 2008 والأميركية حتى عام 2013.

لكن وفق الثنائي خودابانده، فإن الغرب شطب الحركة عن لوائح الإرهاب قبل أن تقوم ألبانيا بـ«معالجة» تطرف الحركة الإيرانية المعارضة، بل أنها لم تحاول أصلاً فعل ذلك. «في عام 2013، أزالت وزيرة الخارجية الأميركية (السابقة) هيلاري كلينتون، مجاهدي خلق من قائمة الإرهاب بهدف إرسال عناصرها إلى دولة ثالثة بعدما ضاق العراق بهم ذرعاً. لكن الدول الأوروبية رفضت استقبال الحركة (بسبب مصالحها مع إيران وغيرها من الاعتبارات). عوضاً عن ذلك، احتضنتها ألبانيا ووعدت بإنشاء مركز لنزع التطرف سيساهم في إعادة إدماج عناصرها في المجتمع»، يقول التقرير، مؤكداً أنّ «المركز لم يبصر النور أبداً».

في الواقع، تحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يقوم «بتفكيك كل تفاصيل إرث باراك أوباما، تم السماح لمجاهدي خلق بإعادة رص صفوفهم»، وفق التقرير. العلاقة المتينة بين واشنطن والحركة الإيرانية تجلّت في نيسان عام 2017، حين زار السيناتور الأميركي جون ماكين، «مجاهدي خلق» في العاصمة الألبانية، كما التقى بمريم رجوي، القيادية بالحركة ورئيسة «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» (مقره باريس).

في الواقع إنّ مصير المقاتلين الأجانب العائدين إلى أوروبا لا يزال غير واضح. أما في حال مضت ألبانيا بالاقتراح الأميركي، وذلك لأسباب على الأرجح مالية بحت، فإن واقعية وفعالية إنشاء «مركز لنزع التطرف» تبقيان محط تساؤل، في وقت تتعدد الدوافع المحتملة للاقتراح الأميركي (من ضمنها الأحاديث التي تشير إلى سيناريوات من قبيل «إعادة تدويرهم واستخدامهم في المستقبل»).

في هذا السياق، كشف تقرير نشرته مؤسسة «ستراتيجك كلتشر» الأميركية في 14 الشهر الجاري، أن دول «حلف شمال الأطلسي – الناتو» ستسمح لعناصر «داعش» الذين «استسلموا للقوات الغربية في سوريا والعراق» بإقامة قاعدة في ألبانيا على غرار القواعد التي أقامتها «مجاهدي خلق» في عدد من دول الحلف، مثل ألبانيا وكوسوفو.

ووفق التقرير، فإن «الولايات المتحدة وحلف الناتو سهلا للحركة إنشاء قاعدة عسكرية تخضع لحراسة مشددة في مدينة مانز بالقرب من تيرانا»، مشيراً إلى «إمكانية تكرار السيناريو نفسه مع العناصر المتبقية من التنظيمات الإرهابية الآتية من الشرق». وتابع التقرير أنّ «المعلومات تشير إلى وجود إرهابيين من تنظيم داعش يسكنون وأسرهم في مبان تابعة لمنطقة تيرانا، سبق أن سكن فيها عناصر من حركة خلق قبل نقلهم إلى قاعدة مانز»، محذّراً من تسلل هذه العناصر بسهولة إلى كوسوفو عبر الحدود.

وبحسب تقديرات «مركز مكافحة الإرهاب» الأميركي للأبحاث، فإن «كوسوفو ومقارنة بعدد سكانها البالغ 1.8 مليون نسمة، تُعدُّ أكبر مصدر للجهاديين الأوروبيين إلى سوريا والعراق». فقد انضم أكثر من 315 شخصاً من كوسوفو و300 من ألبانيا إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق خلال السنوات القليلة الماضية، منهم من عاد بالفعل إلى أوروبا. وتشكل هذه الظاهرة مصدر قلق حقيقياً لبريشتينا، التي قالت في برنامج عملها 2018-2022 إنّها «مهددة من قبل العائدين من مناطق القتال، العازمين على تقويض مجتمعنا العلماني المتعدد إثنياً وطائفياً، ومعه نظامنا الديموقراطي».

في السياق، يبدو أن ألبانيا وكوسوفو تتجهان نحو تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية مع واشنطن، التي تجد فيها بعض دول البلقان القوة الوحيدة القادرة على ضبط تحركات هذه الجماعات وحماية أمنها إزاء التحديات الخارجية والداخلية. وفي نيسان الماضي، صرحت وزيرة الدفاع الألبانية أن بلادها ترغب في إقامة قاعدة عسكرية أميركية على أراضيها لأنها تشعر «ببعض القلق من التهديدات العديدة التي تواجهها منطقتنا»، معتبرة عقب لقائها مع ماتيس، أنّ «وجود الولايات المتحدة والناتو سيكون دليلاً واضحاً على أن المنطقة ليست منسية من قبل حلفائها».