كتب سمير زعاطيطي في “الاخبار”:
من هو العبقري الذي حدد موقع سد بلعه بعيداً نحو 250 متراً عن بواليع بلعه الضخمة والشهيرة؟ وهل يعرف ما معنى «بالوع»؟ هل من مهندسين جيولوجيين او هيدروجيولوجيين درسوا المواقع؟ ام ان الاتكال ــــ كالعادة ــــ كان على شركات هندسية ومهندسين للانشاءات الكبيرة لا يفقهون إلا في حسابات الحديد والباطون!؟ يقال إن متعهد سد بلعه «اكتشف» وجود فراغات عامودية في موقع السد، يعرفها الجيولوجيون تماماً، ويطلق عليها اهالي المنطقة اسم «بواليع». وهي كناية عن فراغات ضخمة (أنظر الى حجم العامل في الصورة المرفقة لتقدير حجم البالوع) تستخدمها الطبيعة لتخزين المياه تحت الارض. الا ان المتعهدين الذين لم يدرسوا جيداً طبيعة الارض، او تجاهلوا كل الدراسات والتحذيرات من وجود البواليع، فكروا، بعبقريتهم، ان في مقدورهم سدّ هذه البواليع بالاسمنت وبردميات من الجبال المحيطة! ومنعوا احداً من الاقتراب من الموقع لكي لا يفتضح امرهم.
السؤال هنا: ما هو موقف الجهات المشرفة على بناء السد، لا سيما مجلس الإنماء واﻹعمار ومهندسوه؟ وأي كلفة سندفعها لتخزين كمية قليلة نسبيا من المياه لن تتجاوز مليون متر مكعب؟
من المعلوم ان هذه البواليع، مع تفرّعاتها في العمق الصخري، غير معروفة الحدود، وسدّها غير محسوم النتائج ان لناحية ضبط مياه السد ومنعها من التسرب، او لناحية سد الفتحات التي تغذي ينابيع وخزانات جوفية في مناطق اخرى يمكن ان تتأثر بهذا الاغلاق الشنيع لمجاري المياه. وكان يمكن المخطط او الجهات المشرفة او المتعهد السؤال عما حصل في سدي بريصا أو القيسماني (فوق حمانا) اللذين وقعا في المشكلة نفسها وأخفقا في تخزين الماء.
البواليع هي مسارب حقيقية نحو المنطقة المشبعة للمخزن الكارستي. وبواليع سد بلعه وجد قعرها النهائي في آبار تنورين وبشتودار القريبة من موقع السد على عمق حوالي 450 – 470 متراً. فكيف حدّد المتعهد او المخطط كمية الإسمنت المطلوبة لسد البواليع وهو لا يعرف حجم الفراغات وأبعادها؟ ولماذا لم يقم الخبراء بإزالة الأتربة وكشف الفراغات لمعرفة طبيعة الارض والفراغات التي لا علاج لها؟ لو جرى ذلك لأمكن وقف الاعمال وتقاضي الاتعاب، بدل الاصرار على محاولة سد الفراغات.
بعد سنوات من المكابرة في وجه الطبيعة، وعمليات الترقيع السخيفة، علمياً وهندسياً، إنتصرت الطبيعة وفشلت كل الجهود للوقوف في وجه مسارات المياه السطحية والجوفية التي شقت طريقها منذ ملايين السنين.
العلم يؤكد، بلسان كل الخبراء الجيولوجيين الأجانب، أن جبالنا مخازن حقيقية فقط للمياه الجوفية. وهؤلاء لم ينصحوا بالتخزين السطحي. فمن سيتسلم مصيبة سد بلعه ويدفع أتعاب العمل الإجرامي الترقيعي لقاعدة السد بعد اليوم؟ ومن سيكمل بسياسة السدود الخرقاء؟ واي خبراء وعلماء ومهندسين سيقومون بالتغطية على هذه الارتكابات بحق الطبيعة والخزينة؟