كتبت رلى إبراهيم في “الاخبار”:
في آخر كورنيش الرملة البيضاء، فسحة صغيرة يمكن تخطي سياجها لتأمل شاطئ الرملة البيضاء كاملا. «بحر» من الرمل الأبيض يجاور البحر الأزرق. هناك التقى أمس الأفرقاء المجتمعون على مكافحة الفساد لقطع قوالب الحلوى احتفاء بافتتاح فندق «لانكستر ايدن باي». يمكن تخيل المنتجع بمكبرات الصوت والمسابح النظيفة والمطاعم الفاخرة. قبله بمئات الأمتار هناك منتجع «الريفييرا». من يسر على الكورنيش البحري، ير فندقا يتوسط شاطئين عامين يسبح المواطنون فيهما وسط المجارير، فيما رائحة الطعام وعطور النساء وأصوات الموسيقى تصلهم من خلف جدران «الريفييرا».
لنضع جانبا تقصير الدولة اللبنانية في استرجاع أملاكها البحرية ممن تعمدوا خصخصة الشاطىء العام وبيعه الى أصحاب رؤوس الأموال. ثمة وقاحة تتجاوز وقاحة دولة بأكملها. لا يتعلق الأمر بالعقار كعقار أكان خاصا أم عاما، بل بطريقة تعاطي حيتان المال بموافقة ودعم من أصغر موظف في الدولة الى أكبرهم، مع القانون والمراسيم. المرسوم 4811 الصادر عام 1966 معطوف على المرسوم 14817 الصادر في العام 2005 واضح جدا كما المراسيم 4809 و4810 و4811. استنادا الى هذه المراسيم، يمنع البناء منعا تاما على كل العقارات المشابهة لهذا العقار والتي هي تحت خط الطريق. ولكن هناك من ضربها كلها بعرض الحائط ورماها في وجه محافظ بيروت زياد شبيب وبلدية بيروت الذين شربوا ماءها وهم يبتسمون.
الإبتسامة غدت فرحة: ها هو صاحب العقار محمد وسام عاشور يفتتح فندقه بعد أقل من شهر على اصدار مصلحة الهندسة في البلدية كتابا يشرح بالتفصيل المخالفات المرتكبة في المشروع. مخالفات جمة حلها لا يقل عن هدم المبنى بأكمله أو خمس طبقات منه، أي تسويته بالأرض. يومها، أتى الكتاب ردا على طلب عاشور رخصة إشغال للفندق حتى يتسنى له افتتاحه وتشغيله. لم يحصل على هذه الرخصة بالطبع كما لم يحصل على رخصة سياحية كاملة للعمل به كفندق. والأهم أنه لا يمكن له تأمين هذه الموافقات في ظل الاشارات الموضوعة من المحاكم على الصحيفة العقارية الخاصة بالمشروع.
الخلاصة: التسلسل الطبيعي لمسار هذا التطوير العقاري المخالف لكل القوانين يفترض أن يكلل بايقاف الاعمال فورا والهدم. ولكن في قطعة السماء التي تسمى لبنان، جرى، أمس، افتتاح علني كبير للفندق على مرأى من البلدية والمحافظ ووزراء الداخلية ومكافحة الفساد والأشغال والبيئة والسياحة ورئيس الجمهورية. سبقه يوم السبت الماضي حفل للطيران التركي. حصل ذلك أيضا بمعرفة كل الوزارات والمسؤولين الذين يدفنون رؤوسهم في الرمل منذ عامين متجاهلين دعاوى الجمعيات البيئية الموثقة ومراسيم الدولة وقوانينها وضرورة محاسبة محافظ بيروت على الرخصة الخاطئة كي لا نقول المزورة التي منحها لرجل الأعمال محمد عاشور. رخصة البناء التي اعتمدت خرائط طوبوغرافية منافية للخرائط الرسمية الصادرة عن دائرة الجغرافيا الخاصة بالجيش اللبناني، في ما عدا انتفاء الحجة الأساسية لزيادة عامل الاستثمار أي الوحدة العقارية (تم فصل العقار رقم 3687). من الظلم هنا إلقاء المسؤولية على المحافظ، فالأخير موظف شأنه شأن رئيس بلدية بيروت. المطلوب محاسبة الجهات التي تقف وراءهما. والمطلوب أيضا عدم حصر المشكلة بمشروع «ايدن باي» الذي أتى نتيجة استسهال التعدي على الشاطىء العام والقوانين من قبل عشرات المقاهي والمطاعم والمنتجعات.
المخالفة تجر مخالفة لا سيما ان كانت محمية ومدفوع ثمنها. ولا يمكن بأي حال من الأحوال فصل هذه التعديات واستسهال القيام بها عن الفساد العام المستشري في كل مؤسسات الدولة. هذا الفساد الذي تحل مكافحته في قائمة أولويات الحكومة العتيدة. ولمن لا يعرف؛ الأفرقاء الذين شرعوا الفساد وربّوا وكبروا مافيا مالية تتحكم بكل مفاصل البلد ورخصه وتعهداته ومدارسه بحره وبره. هؤلاء أنفسهم يتنافسون اليوم على محاربة الفاسدين في وطن النجوم.