كتبت تاليا قاعي في صحيفة “الجمهورية”:
نعيش في مجتمع يرى أنّ مهمة المرأة تكون في تربية الأطفال والإهتمام في أعمال المنزل، بينما مهمة الأب تبتعد عن تربية الأطفال، لا بل تقتصر على العمل وأخذ القرارات الأساسية في المنزل.
ينال موضوع تربية الأطفال الكثير من التعليقات، سواءٌ كانت مهمة الأم، أو الأب، أو الإثنين معاً. وتختلف الآراء حول هذا الموضوع، اذ يعتقد البعض أنّ هذا الأمر غير قابل للجدال، وأنه حتماً مهمة الأم، بينما يرى البعض الآخر أنه لحياة سعيدة وعائلة سليمة على الوالدين التعاون في تربية أطفالهم.
أشرفت الدراسات التي أُعِدّت حول هذا الموضوع وخصوصاً في العالم العربي على إظهار أنّ نحو 20 في المئة من الرجال مهتمون للمعرفة أكثر من مناهج التربية، في حين أنّ خمسة في المئة فقط من رجال العيّنة مهتمون بالتربية ويشاركون بها.
ويقول الاختصاصيون عن دور الرجل في تربية الأطفال، إنّ الأب لديه بعض المفاهيم الخاطئة عن الطفل، ولذلك لا يستطيع التواصل معه بشكل جيد، ومن هنا يملّ سريعاً ويتهرّب من مسؤولية التربية.
بالاضافة الى أنّ بعض الآباء يعتقدون أنّ الطفل طالما هو لا ينطق جملاً كاملة وواضحة مثل الكبار، فهو غير قادر على استيعاب شيء ممّا يدور حوله، فكيف لهم أن يوجّهوا إليه النصائح وأن يعدّلَ من سلوكه.
بينما في الحقيقة أنّ الطفل من عمر الـ40 يوماً، وبعد أن تقوى لديه حاسة البصر، يستطيع أن يشعر ويفهم مَن حوله، ولكن في البداية يكون الأمر مجرّد ترجمة مشاعر، فهو يفهم أنك حزين أو سعيد فقط، وعند وصوله إلى عمر الـ12 شهراً، فيبدأ في تخزين الكلمات لتمكّنه من النطق والكلام على عمر السنتين أو اكثر بحسب الطفل. في هذه الفترة، يمكن للوالدين أن يوجّها للطفل بعض الجمل، أو أن يحكيا له بعض قصص الأطفال.
من ناحية أخرى يضع بعض الأزواج اتّفاقية في تربية الأطفال، فيها يكون الأب هو رمز الصرامة والشدة، فيما تكون الأم هي الطيبة والحنّية طوال الوقت.
وهذه الاتفاقية سيّئة للغاية، بحسب الاختصاصيين في التربية، لأنّ كلّاً من الأب والأم له دور في تشكيل شخصيّة الطفل، فإذا كان الأب هو السلطة المخيفة، فلن يقترب منه الطفل حتى بعد بلوغه سنّ المراهقة، وإذا كانت الأم هي الحنونة دائماً، فعندها الطفل سيعتاد على ابتزاز الأم عاطفياً لتلبية حاجته، حتى إذا تقدّم به العمر، ووصل إلى سنّ المراهقة.
من هنا ضرورة تعاون الأب مع الأم في تربية الأبناء، إذ إنّ لكلٍّ منهما دوراً محدّداً لا يقبل التبديل، حيث إنّ الطفل الذي يقوم على تربيته كلٌّ من الأب والأم، يكبر وهو أكثر اتّزاناً ونجاحاً من الطفل الذي تقوم الأم فقط بتربيته، فمهمة تربية الأطفال مهمة ثقيلة لا يمكن أن تُلقى على عاتق الأم وحدها.
كما أنّه في حين يرى معظم الرجال أنّ تربية الأطفال هي مسؤولية المرأة، حيث إنّ غالبية الرجال تترك المهمة التربوية بالكامل للزوجة، فهي التي تعتني بالطفل وتُدرّسه، وتختار له الرياضة التي يمكن أن يمارسها، وهي التي تهتم بأموره النفسية.
تشير الإحصاءات العالمية من جهة أخرى، إلى أنّ الأطفال الذين حظوا بوجود دور فعّال للأب في طفولتهم، كانت لديهم مشكلات سلوكية أقلّ من غيرهم، فالأبناء الذين يجدون آباءَهم بجانبهم يتميّزون اجتماعياً ودراسياً عمّن يفتقدون دور الأب في حياتهم، مؤكّدين أنّ تواجد الأب في المنزل لكي يتقاسم مسؤولية تربية الأبناء مع زوجته يجعله يشكّل قدوةً لأولاده، بالإضافة إلى أنه سيكون موجوداً ليراقب أبنائه، فلا يلقي اللوم على الأم ولا يحمّلها المسؤولية وحدها، لأنّ المهام والمسؤوليات مشترَكة بينهما دائماً.
وكشفت دراسة أميركية، حول تقاسم الزوجين واجبات رعاية الأطفال، أنّ المشاركة في رعاية الأطفال، تترك قدراً أكبر من الارتياح بين الزوجين.
وأظهرت الدراسة أنّ العائلات التي تؤدّي فيها النساء أكثر من 60 بالمئة من رعاية الأبناء، خصوصاً فيما يتعلق بوضع القواعد والإشادة بالأطفال واللعب معهم، سجّلت أقلّ درجة من الرضا في العلاقة الزوجية.