كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
«تُشرعن» القوات اللبنانية مطلبها الحصول على خمسة وزراء في الحكومة الجديدة، بصرف النظر عن نوعيّة هذه الحقائب، بأنّها تملك كتلة نيابية مؤلّفة من 15 نائباً تُخوّلها «خبط يدها» على الطاولة و«فرض» الشراكة الكاملة مع التيار الوطني الحرّ، ما يعني أنّ «القوات»، وفق هذا المنطق، تُخصّص وزيراً لكلّ ثلاثة نواب. وبما أنّ قيادة معراب تتغنّى بالديمقراطية والمساواة والعدل في العمل السياسي، يَفترض المرء أن تتجانس «القوات» مع نفسها في المفاوضات الحكومية، وتسمح بأن تُطبّق هذه الحسابات نفسها على بقيّة الكتل النيابية.
فإذا جرى اعتماد معيار وزير لكل ثلاثة نواب، يُفترض بـ«تكتل لبنان القوي» (يضم 29 نائباً) أن ينال 10 وزراء، وكتلة تيار المستقبل (20 نائباً) 7 وزراء، وحركة أمل (16 نائباً) 5 وزراء، وحزب الله (13 نائباً) 4 وزراء، و«التكتل الوطني» (تيار المردة وجهاد الصمد وفيصل كرامي وفريد هيكل الخازن ومصطفى الحسيني) وزيرين، وثلاثة وزراء للنواب العشرة من الطائفة السنّية المُعارضين لتيار المستقبل، وزير للكتائب، ووزير للحزب القومي… أي المطلوب حكومة من 40 وزيراً!
ولكن، منطق القوات اللبنانية في احتساب المقاعد الوزارية يختلف عن الواقع الذي يُظلّل عملية تشكيل حكومة الثلاثين وزيراً. فحزب الله وحركة أمل لن يحصلا على أكثر من ستة وزراء. أمّا «التكتل الوطني»، فلن يخرج من هذه العملية بأكثر من حقيبة واحدة لا يزال هناك أخذ وردّ حول نوعيتها. والتيار الوطني الحرّ، الذي بدأ قبل يومين الحديث عن مطلبه الحصول على 11 وزيراً (حصّة رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحرّ)، فمن غير المُرجّح أن ينال أكثر من تسع حقائب. لا يوجد أي فريق سياسي سيسمح بأن يُمسك فريقٌ آخر بالثلث الضامن، حتى ولو كان حليفاً له. وبالنسبة إلى «الكتائب» و«القومي» وسنّة 8 آذار، وكتلة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، فكلّ المعطيات تُشير إلى أنه لا «أماكن شاغرة» لهم. بناءً على ذلك، لماذا ترضى «القوات» لغيرها «الإجحاف» في تطابق التمثيل النيابي مع التمثيل الوزاري، في وقت لم ترضه لنفسها؟ وعلى أي أساس ترفع «القوات» سقف مطالبها إلى حدّ التشدّد في الحصول على خمس حقائب، من ضمنها حقيبة سيادية ومنصب نائب رئيس الحكومة؟ «إنجازات» وزرائها؟
هناك نظريتان، يجري التداول بهما داخل الأوساط المُتابعة للملفّ الحكومي، لمحاولة فهم لُعبة سمير جعجع السياسية حالياً. الأولى، «بريئة»، وهي أنّ القوات اللبنانية تتعامل مع تشكيل الحكومة كما لو أنّها «صفقة» تُريد إنجازها بأكبر قدرٍ من المكاسب، فتطلب الكثير حتّى تنال الأقلّ. تُصرّ على حصّة من خمسة وزراء ونائب رئيس الحكومة والحقيبة السيادية، رغم إدراكها أنّها لن تنال أكثر من 4 حقائب، بينها حقيبة دولة، ووزارة «شِبه سيادية»، على غرار «العدل». وجعجع يعرف جيداً أنّ الرئيس ميشال عون لن يتساهل هذه المرّة في ما خصّ منصب نائب رئيس الحكومة، الذي يعتبره «عُرفاً» من حصّة رئاسة الجمهورية. وإن كان اتفاق معراب قد ألزم عون التنازل عن هذا المنصب في الحكومة السابقة، فأداء جعجع «التعطيلي» للعهد (على حدّ وصف العونيين) قد حرّر رئيس الجمهورية حالياً.
يضحك سمير جعجع كلّما أعلن الرئيس عون والوزير جبران باسيل أنّ «القوات» لن تنال أكثر من حقيبتين أساسيتين ووزارة دولة. فهو يعرف أنّ الرئيس المُكلّف سعد الحريري لن يُعلن تشكيلة حكومية لا تحصل فيها «القوات» على أقلّ من أربع حقائب «وازنة». أولاً، لأنّ الحريري يقرأ جيداً ما تُريده السعودية، فيمسي تمسّكه بحصّتَي القوات اللبنانية واللقاء الديمقراطي «استراتيجياً»، وليس اقتناعاً أو محبّة بجعجع ووليد جنبلاط. ثانياً، لأنّ رصيد الحريري السياسي لم يعد يسمح له بأن يظهر كمن يُقدّم المزيد من التنازلات إلى عون أو باسيل.
يبدو جعجع، اليوم، مطمئناً إلى أنّ السعودية تحمي ظهره، وتتعامل معه بوصفه «الرجل اللبناني الأقوى» سعودياً، ورأس حربتها في الداخل اللبناني. لذلك، يرى أنّ هذه فرصته من أجل تحصيل ما يُريد من مقاعد وحقائب. الظرف الاقليمي يُساعد جعجع ليفرض إيقاعه الحكومي. ولكنّه يغفل أنّ في وجهه خصماً اسمه عون. رجل يبحث عن المواجهات «الصعبة»، ولا يستسلم أمامها.
النظرية الثانية أكثر «خُبثاً»، تُفيد بأنّ حزب جعجع يُسهم في تنفيذ المُخطّط السعودي في لبنان، القائم على تأخير تشكيل الحكومة قدر الإمكان. الهدف هو إفساح المجال أمام حسمٍ ما في الإقليم (وتحديداً في الحُديدة اليمنية)، قد يُعدّل في ميزان القوى ويشدّ الخناق على حزب الله وإيران. صحيحٌ أنّ حزب الله لا يرى أنّ ما يحصل على بُعد آلاف الكيلومترات منه يُشكّل عامل ضغطٍ عليه محلياً، إلا أنّ ذلك لا يمنع مُغالاة الفريق السعودي في لبنان في الرهان على الملفات الاقليمية لـ«مُعاقبة» حزب الله داخلياً، علّه بذلك يكسب الفتات سياسياً. لذلك، باتت رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحرّ مُقتنعين بأنّ القوات تُريد التعطيل، ويضعان تصرفات جعجع في خانة «فتح النار» بوجه العهد، «تماماً كما كان المُخطط خلف إجبار الحريري على الاستقالة».
في حال كان جعجع يتشدّد في مطالبه، لحسابات تقاسم السلطة، أو لأنّه يُنفّذ سياسة السعودية في لبنان، إلا أنّه في الحالتين واحد من القوى التي تؤخّر إعلان تشكيل الحكومة. يعرف جعجع نقطة قوته حالياً، المستندة إلى «ظهير إقليمي» (كما يتّهمه خصومه)، وعليه يلعب في مواجهة الحريري دور «المايسترو» الذي يفرض إيقاعه على سير تشكيل الحكومة.