IMLebanon

“حكومة القرن”… الأهمّ والأقوى منذ “الطائف”

كتبت كلير شكر في صحيفة “الجمهورية”:

لا أهمّية قصوى لأعمال البحث والتحرّي عن هوية الجهة المعطلة لتأليف الحكومة. ولا فارق شاسعاً بين المسهّل والمعرقل، طالما إنّ الجميع مدرك، لا بل يتصرّف على أساس أنّها ستكون «حكومة القرن»، وأنّ الانضمام إليها ليس ترَفاً وإنّما «واجب» من باب المنفعة الفئوية، وحتميّ للبقاء ضِمن دائرة القرارات الكبرى، لكي لا تتّخذ على غفلة.

ليس من قبيل المبالغة وصفُ الحكومة العتيدة أنّها الأهم بين نظيراتها منذ كان «اتفاق الطائف» وحتى اليوم، نظراً إلى المهمات التي ستُلقى على عاتقها والتي تكاد توزاي أهمّية، مهمّات حكومات العقدين الماضيين.

سلّة تحديات كبرى لا يمكن تركها أسيرة تجاذبات الشعارات حول هوية أصحاب صلاحية الربط والحلّ. وما الكباش الحاصل حول مقعد من هنا وحقيبة من هناك، إلّا لاقتناع القوى السياسية، على اختلاف أحجامها، أنّ توزان الحكومة المقبلة، هو الذي سيتحكّم بمسار المرحلة المقبلة، المثقَلة بالاستحقاقات الكبيرة.

إذ من المقدّر للطاولة التي سيترأسها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، أن تكون آخر حكومات عهد الرئيس ميشال عون، ما يعني بلغة الأرقام، أنّ من المرجّح أن يُتاح لها أن تصمد نحو أربع سنوات إلى حين انتهاء ولاية عون. وأكثر!

بهذا المعنى يُفهم سجال البيانات المتطايرة بين المقار، من قصر بعبدا إلى «بيت الوسط» ومروراً بطبيعة الحال بـ»معراب»، رمياً لكرة التعطيل وتمسّكاً بعصا صلاحية التأليف، أو المشاركة في المهمة. لكلّ مقعد في الحكومة المقبلة أهمّيتُه، وكلّ رقم سيَحمله المشاركون والمعبّر عن عدد حقائبه، له رمزيته، في مسلسل النزاعات المرتقبة التي ستشهدها المرحلة المقبلة.

وبالتفصيل يتبيّن أنّ رزمة تحديات تنتظر حكومة الحريري الثانية في عهد عون، قد تدخلها في أتون الاشتباكات بين مكوّناتها، على خلفية قرارات كبيرة يفترض أن تقدم عليها أو مسؤوليات ضخمة قد تجيّر لها، وهي على الشكل الآتي:

– بما أنّ المؤشرات تدل الى أنّ ثمّة توافقاً ضمنياً على أن تكون هذه الحكومة، آخر حكومات العهد، فهذا يعني أنّها ستشرف على الانتخابات النيابية المقبلة المفترض إجراؤها سنة 2022 وأنّها قد تكون صاحبة مبادرة لتعديل قانون الانتخابات.

هذا، إذا ما أخذنا في الاعتبار أنّ الاستقرار السياسي، والاقتصادي- المالي صمد إلى ذلك الحين، وأنّ الأوضاع الاقليمية المقبلة على تطوّرات كبيرة، لم تهزّ عرش المظلة الدولية التي لا تزال تحمي الوضع اللبناني، وأنّ سمَّ التمديد لم يتسلل مجدّداً إلى عروق مجلس النواب.

– وإذا ما أخذنا بالفرضية السيئة وهي أنّ الحكومة ستُعمِّر حتى مغادرة عون قصر بعبدا بعد التمديد لمجلس النواب، فهذا يعني أنّ تحوّل التركيبة الثلاثينية «حكومة الثلاثين رئيساً»، هو أمر مرجّح إذا ما تسلل الشغور من جديد الى الرئاسة الأولى تكراراً لتجربة ما بعد الرئيس ميشال سليمان. وتُناط بالسلطة التنفيذية صلاحيات الرئاسة الأولى.

وربطاً بهذا الاعتبار، يصير لمعادلة تركيبة الحكومة اعتبارات أكثر حساسية، وفقاً للأحجام التي ستُظهرها أمام الرأي العام. يقول أحد المطّلعين إنّ هذا الاعتبار هو الذي يدفع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إلى التمسّك بممانعته منحَ «القوات» أربعة مقاعد مقابل ستّ مقاعد لـ«التيار الوطني الحر»، ليس فقط من باب محاصرة منابع النفوذ الخدماتية، وإنّما لمنع «القوات» من الاقتراب من حافة الندّية مع «التيار الوطني الحر» الذي يسعى إلى إظهار رئيسه على أنه المسيحي الأقوى بلا منازع.

ولهذا مثلاً رُمِّمت الجسور سريعاً مع الصيفي لإدخالها الى الجنّة الحكومية، ليس حبّاً بها ولا رأفةً بحالها، وإنّما لكي تكون شريكاً مضارباً لـ«القوات» في حصّتها الوزارية.

وللاعتبارات نفسِها يخوض باسيل حرباً شرسة لتوزير رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» طلال ارسلان، اعتقاداً منه أنه قادر على رفدِ الزعامة الارسلانية بإبر مقوّيات تمنحها القوة لتعوّض الاعتراض الجنبلاطي على وصول باسيل إلى سدّة الرئاسة.

– وفقَ تأكيد أكثر من مسؤول محلّي ودولي، بلغت المالية العامة مراحلَ متقدمة من الخطورة، بسبب الأرقام الهائلة التي سجّلها الدين العام والتحديات الصعبة التي تواجهها الليرة اللبنانية، وهي لذلك صارت أمام مفترَق طريق:

إمّا تستجيب الدولة إلى توصيات الدول المانحة التي أبدت استعدادها خلال مؤتمر «سيدر» مدَّ لبنان بالقروض فتحاصر الأزمة من خلال سلّة إصلاحات إدارية ومالية، وتكون تالياً حكومة النهضة الإعمارية المدعومة بورشة ملايين الدولارات إن لم نقل أكثر… وإمّا ستشهد الحكومة بأمّ العين على انهيار اقتصادي ومالي.

وفي كلا الحالتين ستكون أمام استحقاقات قرارات كبيرة.

– بعدما وُضع ملف التنقيب عن الغاز على سكة التنفيذ نتيجة الموافقة على الخطة التي قدّمها «كونسورتيوم» الشركات، يفترض أن يجنيَ لبنان ثمار «ذهبِه الأسود» في السنوات القليلة المقبلة، وقد رأى وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل أنّ لبنان يأمل أن يدشّن جولة ثانية للتنقيب البحري نهاية 2018 أو أوائل 2019، متوقّعاً حفر أوّلِ بئر في 2019. وفي النتيجة، ستكون الحكومة من أغنى حكومات لبنان، سواء من خلال الصندوق السيادي أو المالية العامة.

– بينما تضغط الولايات المتحدة لوضع «صفقة القرن» موضعَ التنفيذ، سيكون لبنان أمام استحقاق حجبِ حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، وهو بمعنى آخر تكريس التوطين ولو بنحوٍ غير مباشر، ما يَطرح السؤال؛ كيف ستواجه الحكومة هذا الاستحقاق في ضوء الانقسام العمودي بين مكوّناتها؟.

– تُظهر التطوّرات الميدانية في سوريا أنّ الحلّ السياسي لم يعد بعيداً، الأمر الذي يطرح على لبنان مسألتين: طريقة التعامل مع مرحلة ما بعد التسوية، وإعادة إعمار سوريا، والأخيرة ستكون أشبَه بثورة اقتصادية قد تساهم في تحسين الوضع اللبناني إذا ما جرى التعامل مع هذا الملف بدراية، وهذه مهمّة الحكومة المقبلة خصوصاً.