كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
كان حزب الكتائب، من أوائل القوى السياسية التي افتتحت السجال حول ملّف التجنيس الأخير، مُعترضةً عليه ومُطالبةً رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية بكشف أسماء المجنسين كلهم. إلا أنّ الحزب برئاسة النائب سامي الجميّل، لم يُقدّم طعناً بالمرسوم، كما فعل حزبا القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي. السبب الأساس، «الحرص على عدم المسّ بصلاحيات رئيس الجمهورية، الذي يحقّ له أن يُصدر هكذا مراسيم. رفعنا الصوت، بسبب الغموض الذي لّف المرسوم، وأردنا الاطلاع على تفاصيل فيه، لم تكن واضحة». ولكنّ اللافت للنظر، كان «حِرص» حزب الكتائب على أن يوصل، إلى التيار الوطني الحرّ، رسالة عدم الطعن بالمرسوم، ويُقدّمها كمبادرة إيجابية تدلّ على حسن نيّة «الكتائب» تجاه فريق رئاسة الجمهورية في المرحلة المقبلة. هذه المعلومة، توضحها مصادر «الكتائب» بالقول إنّ القصّة لا تتعلّق بشخص الرئيس ميشال عون، «بل بموقع رئاسة الجمهورية، الذي نُريد الحفاظ عليه وعلى صلاحياته». ألا يعني ذلك أنّ «الكتائب» مع «العهد» بمفهومه الواسع؟ ربّما. ولكنّ المصادر، تعتبر أنّه «لو كان الهدف مُسايرة التيار الوطني الحرّ، لمّا كنا، منذ البداية، بادرنا قبل غيرنا إلى فتح هذا السجال، وصولاً إلى حدّ «تلزيم» الأمن العام، مهمة التدقيق بالأسماء الواردة في المرسوم».
تُصرّ القيادة الكتائبية على أنّ الموقف الحزبي لم يكن ليتغير مهما كانت العلاقة مع التيار العوني، ولتدعيم كلامها، تذكّر المصادر بتجدّد النقاش داخل أروقة البيت المركزي في الصيفي «حول الطريقة التي سنتعامل بها مع المرسوم، بعد أن شعرنا أنّ هناك اتجاهاً لعدم إجراء تعديلات عليه». ولكن، خلافاً لما يقوله «الكتائب»، تُشير المعلومات إلى أنّ قيادة الصيفي بدأت «استدارتها» السياسية، بغية التقرّب أكثر من العهد الرئاسي، بعد أن جرّبت مُعارضته ومعارضة السلطة القائمة (التي لا يُعتبر حزب الكتائب غريباً عنها) و«خُذلت» خلال الانتخابات النيابية الأخيرة.
العلاقة بين التيار الوطني الحرّ وحزب الكتائب، لم تبلغ يوماً حدّ الحديث عن «تفاهم». الالتقاء لم يتبلور مرّة واحدة، على رغم «العلاقة الخاصة» بين الرئيس عون ورئيس «الكتائب» سامي الجميل، كما كان يُشيع الأخير. بدأ التواصل يتخذ منحى «أكثر جدّية»، مع تسلم النائب الياس بو صعب «الملّف»، بعد تعيينه وزيراً للتربية في عام 2014. وعند كلّ استحقاق، كانت الاتصالات تتجدّد بين الفريقين. وكلّما حصل تباعدٌ بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية، بعد اتفاق معراب، كان التلاقي «التلقائي» يتجدد بين «الرابية» وقيادة الصيفي… إلى أن حلّت الانتخابات النيابية، وفُتحت جبهة متنية «شرسة» بين سامي الجميل من جهة، والنائب إبراهيم كنعان من جهة أخرى، لتُقطّع كلّ جسور التواصل بين الحزبين.
بعد الانتخابات النيابية، بدأت الرسائل تصل إلى التيار الوطني الحرّ، تتضمن طلب «الكتائب» مواصلة الحوار الثنائي، الذي كان قد توقف. أتى ذلك، بعد أن قيّم حزب الكتائب نتائجه «المُخيبة للآمال» خلال انتخابات أيار الماضي، وبعد أن وجد أنّ السياسة القديمة التي اتبعها، لم تُثمر على مستوى الرأي العام. مُخاصمة قوى السلطة الحالية، ورئاسة الجمهورية، واستمرار وجود «الكتائب» خارج مجلس الوزراء بعد أن تقلّصت كتلته النيابية، أمور من شأنها أن تزيد «مصائب» الحزب العتيق لبنانياً. انطلاقاً من هنا، وجد سامي الجميل مصلحة في إعادة تدوير الزاويا مع «التيار»، فكان اللقاء الثنائي، قبل أيام، مع الياس بو صعب. العلاقة بين الحزبين كانت هي الحاضرة خلال الجلسة. أما في ما خصّ الملّف الحكومي، فالأرجح أن لا يكون «الكتائب» مُمَثَلاً، كون كتلته النيابية لا تضم أربعة نواب. إلا أنّ المصادر المعنية، تؤكد أنّ «مشاركة الكتائب من عدمها لم تُحسم بعد. وقبولنا حقيبة وزارية لا يرتبط بنوعها، بقدر ما يتعلق بالنهج المُتبع وكيفية إدارة الملّف». ما الذي قد يتغير وهذه القوى نفسها جربتموها قبل سنة ونصف السنة، ورفضتم مُقاسمتها الطاولة؟ ترد المصادر بـ«واقعية» أنّ القوى المُكونة للسلطة «موجودة، فإما أن نبقى في خارج السلطة إلى أن يتم تغييرها، وإما أن نُقرّر التعامل معها بحسب الملفات، التي على أساسها نُعارض أو نوافق».
ينفي الكتائبيون أن يكونوا هم المُبادرين إلى إعادة فتح قنوات التواصل مع «التيار»، وتقول مصادر كتائبية إنّ العكس هو الذي حصل، «وقد نكون في مكانٍ ما، الخطة البديلة للتيار بعد أن تراجعت علاقته بالقوات». تستحضر المصادر، زيارة كتلة «الكتائب» إلى الرئيس ميشال عون، خلال الاستشارات لتسمية رئيس الحكومة، «حيث سمعنا منه كلاماً إيجابياً عن نظرته للمرحلة المقبلة، ورغبته أن يحظى العهد بدعم الجميع. فقرّرنا منح هذه الفرصة». هو الكلام نفسه الذي أعلنه «الكتائب» بعد انتخابات رئاسة الجمهورية، وخلال تشكيل حكومة سعد الحريري الثانية، ويُعيد تكراره حالياً على رغم عدم تبدّل أي من المعطيات السياسية. لا بل على العكس، «الأخطاء» التي تؤخذ على العهد ترتفع، و«٨ آذار» هي التي حصدت الغالبية في المجلس النيابي، فماذا يريد «الكتائب»؟ «كنا معارضة، والناس اختارت أن تتركنا وتنتخب من أمّن لها الخدمات والمال. وبالتأكيد أنّنا سنتخذ المواقف نفسها لو تكررت الظروف. وحالياً لن نسكت عن الملفات المشبوهة. ولكن، من الممكن أيضاً أن نُعدّل موقعنا المُعارض، ونتعامل مع الملفات على القطعة»، تقول المصادر الكتائبية.