Site icon IMLebanon

واشنطن وطهران… من الاستسلام إلى تغيير النظام

سارع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى انتهاز مظاهرات تجار البازار ضد نظام الولي الفقيه في إيران، لممارسة المزيد من التصعيد، ضمن إستراتيجية أميركية بدأت تتشكل ملامحها مع اكتشاف إدارة الرئيس دونالد ترامب نقطة ضعف النظام الإيراني، منذ تظاهرات شعبية عارمة اندلعت في ديسمبر ويناير الماضيين.

ومنذ ذلك الحين، مرت رؤية الإدارة الأميركية بعدة تغيرات، أثّرت على مسار السياسة الأميركية التي وضعها الرئيس السابق باراك أوباما، وحولت الهدف النهائي لسياسة الولايات المتحدة هناك من تعديل الاتفاق النووي إلى تغيير النظام.

وعلى عكس أخطاء الولايات المتحدة في العراق، تأمل إدارة ترامب أن يتم تغيير النظام الإيراني من الداخل، دون تكبد الولايات المتحدة كلفة مباشرة.

عزز هذه الرؤية منحى خطابي بدأ يتبناه بومبيو، منذ أن أعلن عن الاستراتيجية الأميركية من 12 نقطة تجاه إيران، بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في مايو الماضي. ووجه بومبيو، الذي دافع طوال سنوات عن الإطاحة بالنظام الإيراني، لأول مرة كلاما محفزا دعا فيه الإيرانيين ضمنيا للثورة.

وكرر بومبيو ذلك مجددا في بيان قال فيه إنه يدعم الإيرانيين الذين يتظاهرون ضد حكومتهم، التي اتهمها بـ”الفساد والظلم وعدم الكفاءة”.

 تتصاعد حدة التصريحات بين الإدارة الأميركية والنظام الإيراني إلى أقصى درجاتها منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي. وبينما يواصل الكونغرس السير في نهج فرض العقوبات، تتعالى أصوات في الإدارة الأميركية مطالبة باقتلاع النظام في طهران من جذوره والعمل على تغييره لا فقط تسليط العقوبات والانسحاب من الاتفاق النووي، لكن المعطيات تؤكد أن تغيير النظام الإيراني ليس بالسهولة التي توحي بها جدية التصريحات الأميركية، ولمواجهة التهديدات الإيرانية اليوم تحتاج الإدارة الأميركية إلى إستراتيجية واضحة لا فقط إلى تصريحات حماسية، كما عليها البحث عن البدائل المتاحة قبل الحديث عن تغيير النظام

وقال “الشعب الإيراني يطلب أن يشارك قادته ثروة البلاد ويلبون حاجاته المشروعة”. وأضاف “العالم يسمع أصواتهم”.

وفي اليومين الماضيين أضرب تجار البازار في طهران، الداعم التقليدي للنظام السياسي في إيران المتمسك أيضا بالدفاع عن مصالحه الخاصة، احتجاجا على تراجع قيمة الريال الإيراني والعراقيل أمام النشاط الاقتصادي، وهو ما يحملون النظام مسؤوليته.

وقال بومبيو “تهدر الحكومة الإيرانية موارد المواطنين من خلال مغامراتها في سوريا ودعمها لحزب الله وحماس والحوثيين” في لبنان وغزة واليمن، “أو طموحاتها لتطوير دون مبرر برنامجها النووي”. وأضاف “ستساهم في زيادة معاناة الإيرانيين” إذا استمرت على هذا المنوال.

منذ مطلع العام، بات ترامب يؤمن أن فرض المزيد من الضغط الاقتصادي على النظام الإيراني من الممكن أن يتسبب في تصدعه. ويقول محللون إنه “منذ تظاهرات مطلع العام، بدأت أولويات ترامب تتغير، وبدأ يفكر في التحول من البحث عن اتفاق نووي أفضل، إلى إلغاء فكرة الاتفاق برمتها”.

وأضافوا “هذا هو الوقت الذي صعد فيه تغيير النظام الإيراني إلى قمة أولويات الرئيس، وبدأ على إثر ذلك ترتيب الشخصيات الكبرى في الإدارة، بحيث تكون رؤيتها متناسبة مع إستراتيجيته”.

هدف أكبر

ليس بومبيو وحده من يؤمن بأن الانخراط الدبلوماسي مع طهران لن يكون مفيدا في ظل هذا النظام. ويشارك بومبيو الرأي نفسه مستشار الأمن القومي جون بولتون،

الذي صرح قبل ذلك بأن “تغيير النظام الإيراني ليس من أولويات الإدارة في الوقت الحالي”.

ويقول دبلوماسيون أوروبيون إن هناك خشية في بروكسل من ألا يعدو انسحاب ترامب من الاتفاق النووي خطوة إجرائية للوصول إلى هدف أكبر، وهو إعادة فرض العقوبات الاقتصادية مرة أخرى، اعتقادا منه أن الاقتصاد هو الأداة الوحيدة التي يمكن من خلالها زعزعة قبضة النظام على الحكم.

ولهذا السبب رفعت إدارة ترامب من سقف شروطها، وأضافت، إلى جانب وقف البرنامج النووي الإيراني، التخلي عن برنامج الصواريخ الباليستية والتوقف عن الأنشطة المزعزعة للاستقرار في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والخليج.

وستؤدي العقوبات الجديدة، التي يقول وزير الخزانة الأميركي ستيفن مينوتشن إنه سيتم تطبيقها خلال فترة من 90 إلى 180 يوما من انسحاب واشنطن من الاتفاق (8 أيار 2018)، إلى تقييد التجارة الإيرانية ووقف تدفق الاستثمارات الأجنبية وإجبار إيران على تقليص حصتها بشكل كبير أو الخروج الكامل من سوق النفط العالمية.

ولم تعد مشكلة الأوروبيين اليوم التفاهم مع الولايات المتحدة حول اتفاق نووي جديد، لكن مقاومة محاولاتها للتوصل معها إلى اتفاق من نوع آخر من بند واحد فقط، وهو تغيير النظام في إيران.

ويعارض الأوروبيون المقاربة الأميركية بشدة، إذ لا تزال الخشية من تدفق أعداد هائلة من اللاجئين وعودة موجة الهجمات الإرهابية على الأراضي الأوروبية مرة أخرى، تمثل هاجسا يحدد إطار التحرك الأوروبي بشكل عام.

وحضت الولايات المتحدة الأربعاء شركاءها الـ14 في مجلس الأمن الدولي على فرض عقوبات على إيران ردا على “سلوكها الخبيث” في الشرق الأوسط، وذلك خلال اجتماع في شأن تنفيذ الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع طهران.

وقال نائب السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة جوناثان كوهين إنه “في مواجهة بلد ينتهك باستمرار قرارات هذا المجلس، يتحتم علينا اتخاذ قرار بشأن العواقب”. وأضاف “لهذا السبب نحض أعضاء هذا المجلس على الانضمام إلينا في فرض عقوبات تستهدف سلوك إيران الخبيث” في الشرق الأوسط.

ورغم ذلك، يقول الدبلوماسيون الأوروبيون “من المستبعد أن يقبل المرشد الأعلى علي خامنئي وحاشيته من المتشددين الشروط الأميركية في كل الأحوال، وإدارة ترامب تعلم ذلك”.

مخاطرة كبيرة

هذه الإستراتيجية قد تحمل مخاطرة كبيرة. فالولايات المتحدة استغرقت سنوات خلال المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، وخلال هذه المفاوضات، تعهدت باستبعاد سياسة تغيير النظام. واليوم تخلت إدارة ترامب عن الاتفاق، وتبدو قريبة من محاولات تغيير النظام أكثر من أي وقت مضى.

ويعطي ذلك إشارة لخصوم الولايات المتحدة، خصوصا الطامحين لتطوير أسلحة نووية، بأن الدخول في ماراثون دبلوماسي مع واشنطن مغامرة لا تحسب عواقبها. وعبر مسؤولون في كوريا الشمالية، التي تسعى للتوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة بعد القمة التي عقدت هذا الشهر بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، عن أزمة ثقة في تفكير الإدارة الأميركية الجديدة، وفي قدرتها على الحفاظ على تعهداتها.

ومن دون خيارات دبلوماسية ذات مصداقية، ستكون النزاعات المسلحة هي الطريق الوحيد الذي ستسلكه الولايات المتحدة لإنهاء النزاعات في العالم، وهو نفس السلوك الذي رفضه ترامب مرارا خلال حملته الانتخابية، عندما كان لا يزال مرشحا رئاسيا. وحتى إذا تمكنت إدارة ترامب من الإطاحة بالنظام الإيراني، فالنتيجة النهائية لن تكون تلك التي تفضلها.

ومن المتوقع أن يؤدي الانسحاب من الاتفاق النووي، ومضاعفة العقوبات على الاقتصاد الإيراني، إلى عزل المعتدلين والإصلاحيين في إيران، الذين يؤمنون بضرورة الاستمرار بالحديث مع الغرب، كما سيقود في المقابل إلى تعزيز نفوذ الحرس الثوري الإيراني وحلفائه المتشددين.

لكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة، يقول محللون إن “عدم الاستقرار الذي تحاول الولايات المتحدة زرعه في إيران، من الممكن أن ينبت في بيئات أخرى من المنطقة”.

وعلى رأس هذه البيئات العراق، حيث كانت واشنطن تتعاون مع طهران في قتال تنظيم داعش، الذي كان يسيطر على مساحات شاسعة في شمال العراق. واليوم من المرجح أن يتحول هذا التعاون إلى تنافس مرة أخرى، في تكرار لسيناريو ما بعد الغزو عام 2003. ويبدو أن بومبيو متعجل لتنفيذ سياسته بغض النظر عن تبعاتها. ويدرك الإيرانيون ذلك، لكنهم لا يملكون خيارات أخرى سوى الانتظار إلى حين خروج ترامب من البيت الأبيض.

أنقرة: قرارات واشنطن بشأن طهران لا تلزمنا

تشهد العلاقات الإيرانية- الأميركية تصعيدا غير مسبوق، وتدعو حكومة الولايات المتحدة حلفاءها إلى الانضمام إليها في محاصرة النظام الإيراني ومعاقبته. ودعت الحكومة الأميركية الدول المُشترية للنفط الإيراني إلى الاستعداد لوقف جميع الواردات منها، بدءا من تشرين الثاني، مع إعادة فرض الولايات المتحدة عقوبات على طهران. وقال مسؤول في الخارجية الأميركية “سنعزل تدفقات التمويل الإيرانية، ونتطلع إلى تسليط الضوء على مجمل السلوك الإيراني الخبيث في المنطقة”.

وأضاف أن الولايات المتحدة لا تخطط لتقديم أي استثناءات بشأن واردات النفط من إيران. ولم يرق هذا الموقف السياسي المتصاعد لحكومة العدالة والتنمية، فقد قال وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي إن تركيا لا تعتبر نفسها ملزمة بالامتثال لمساعي الولايات المتحدة إلى وقف صادرات النفط الإيرانية بدءا من نوفمبر المقبل، وأنها ستعمل على ضمان عدم تضرر البلد الشقيق من هذه الخطوة الأميركية.

وقال زيبكجي، خلال اجتماع في أنقرة بشأن التجارة مع رابطة التجارة الحرة الأوروبية في أنقرة، إن القرار الأميركي غير ملزم لتركيا وأنها ستعمل على ضمان عدم تضرر إيران. وأضاف “القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة ليست ملزمة لنا، سنلتزم (فقط) بأي قرارات تتخذها الأمم المتحدة”. وتابع “سنحاول الاهتمام بالأمر بحيث لا تتعرض إيران، وهي بلد صديق وشقيق، لأي ظلم أو أذى في هذا الشأن”. وتدرك أنقرة أنها في حال قطع روابطها مع طهران يعني ذلك توقف شريان الطاقة عنها وتعطل الميزان التجاري بين البلدين والذي يصل إلى المليارات من الدولارات؛ إذ بلغت قيمة التبادل التجاري بين إيران وتركيا 8 مليارات و400 مليون و400 ألف دولار خلال العام الماضي، وفق المعهد الإحصائي التركي.

وأكدت تصريحات الوزير التركي مدى قرب العلاقات مع إيران التي وصفها بـ“الدولة الصديقة”، معتبرا أن أنقرة لن تمتثل سوى لقرارات صادرة عن الأمم المتحدة، في الوقت الذي أشار إلى سعي بلاده إلى عدم تضرر طهران من تلك القرارات أو غيرها، على حد قوله. وتعتبر تركيا أكبر الدول المستوردة للنفط الإيراني بجانب الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية. وحسب معطيات هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية لعام 2017 فإن تركيا تلبي 50 بالمئة من احتياجها السنوي من البترول من إيران.