Site icon IMLebanon

“داخون” الزوق… معضلة ترافق الأجيال! (رولان خاطر)

تحقيق رولان خاطر

يزداد خطر التلوث على اللبنانيين بنسب عالية جراء استهتار الدولة والمسؤولين السياسيين. آخر نتيجة دراسة مؤشر التلوث في بلدان العالم أظهرت أن لبنان هو الثاني عالميا بمؤشر التلوث، ونتيجة هذا الواقع ارتفعت نسبة الإصابة بمرض السرطان في لبنان، فوفق وزارة الصحة، وصل عدد المرضى الذين يحصلون على العلاج على نفقتها لأمراض السرطان إلى أكثر من 6 آلاف مريض، وسرطان الرئة وسرطان الكولون هما من الخمس الأكثر انتشاراً في لبنان.

ووفق احصاءات السجل الوطني للعام 2015، تبين أن 1212 مريضاً مصاباً بسرطان الرئة، وأكثر من 1090 شخصاً مصاباً بسرطان الكولون. ولطالما دق وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال غسان حاصباني جرس الانذار، داعياً الدولة لايجاد خطة بيئية ومستدامة تؤمّن بيئة سليمة للبنانيين.

“داخون” الزوق!

انتشرت أخيراً صور وفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر سحب ضخمة من الدخان الأسود تملأ سماء منطقة الزوق. وتحت الغطاء الأسود، “يتشمس” المواطنون، متنشقين كل سموم المعمل وسموم إهمال المسؤولين.

هذه الأزمة لها تاريخها. فمنذ العام 1983، أي منذ بدء تشغيله، ينفث معمل الزوق الحراري سمومه السوداء، التي تتربع في صدور المواطنين مسببة أمراض التنفس والربو والجلد والقلب والسرطان.

في العام 2012، بدأت مؤسّسة كهرباء لبنان في عهد وزير الطاقة آنذاك جبران باسيل، تطبيق مشروع الحدّ من الانبعاثات السامّة وتركيب الفيلترات، ما خفّف من نسبة الانبعاثات السامّة، وتحوّل معه لون الدخان من أسود إلى أبيض.

بين البلدية والمؤسسة!

رئيس بلدية زوق مكايل السابق نهاد نوفل كشف لـIMLebanon ان هناك دراسة أجريت حول اجراءات آنية واجراءات على المدى المتوسط وعلى المدى البعيد، تم التوقيع عليها من قبل وزير الطاقة والمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان، إلا أن شيئاً منها لم يُنفذ. اعطينا العديد من الوعود من دون نتيجة.

رأي مؤسسة كهرباء لبنان كان مغايراً، فالمؤسسة بحسب ما قالت المسؤولة الإعلامية لرئيس مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان ماري طوق لـIMLebanon وقعت مذكرة مع اتحاد بلديات كسروان، التزمت بكل بنودها. وهي تتابع موضوع معالجة التلوث في معمل الزوق الحراري بدءا بالمعالجة الكيميائية لمادة الفيول اويل التي اثبتت نجاحها ولا تزال مستمرة على المجموعات، أو من خلال تركيب تجهيزات تساهم في تخفيض الانبعاثات، أو بتأهيل المجموعات، وبالتالي هناك سلسلة اجراءات قامت وتقوم بها مؤسسة كهرباء لبنان لمعالجة نسب التلوث، وآخرها أنها قامت بتلزيم الاستشاري السويسري العالمي AF consult بإجراء دراسة للانبعاثات من أجل اقتراح ما يمكن تركيبه من تجهيزات إضافية لمعالجة التلوث بشكل جذري.

وشرحت لموقعنا سبب الدخان الأسود المنبعث، فأشارت إلى انه اثناء اعادة تشغيل المجموعة الثانية يوم الاحد 24/6/2018 طرأ عطل ظرفي على نظام التحكم بمزيج “الفيول اويل” والهواء، وتمت معالجته سريعاً، نافية ان يكون السبب نوعية الفيول الموجود، لأن الفيول المستورد يخضع للدراسة قبل استخدامه، واذا لم تكن الأمور مطابقة لا تفرغ الباخرة كما قالت.

رئيس بلدية زوق مكايل ايلي بعينو أكد لـIMLebanon ما كشفه سلفه عن أن مؤسسة كهرباء لبنان لم تلتزم ببنود المذكرة التي وقعت مع البلدية والاتحاد، وقال: ” لم نر اي خطوة التزام من قبل مؤسسة كهرباء لبنان بالمذكرة، وعدنا بتركيب “الفلاتر” لتخفيف التلوث، انشاء معمل على الغاز، وتحويل المعمل من الفيول اويل الى الغاز اويل، لكن لا زلنا نتلقى سموما ضخمة، ولم نلمس اي شيء من قبل المؤسسة، لا بل يستمر المعمل بنفث الدخان الأسود، والأسوأ أن هناك دخانا اصفر يخرج من الباخرة وهو اسوأ بكثير من الدخان الأسود، وينفث انبعاثات تصعب عملية التنفس، إضافة إلى كل ذلك، فإن زوق مكايل من اكثر المناطق التي يصيبها التقنين.

وقال: “ندرس كل الامكانيات التي يمكن ان تجعل المنطقة سليمة بيئياً في ظل التلوث القوي الذي يتسبب به معمل الزوق، لن نسكت لان صحتنا وصحة ابنائنا وصحة المواطنين الذين يمرون في زوق مكايل على المحك، لذلك يجب ان نتحرك لكي يشعر المسؤولون في وزارة الطاقة والبيئة والصحة انهم معنيون بهذا الملف”.

بعينو وعد بخطوات تصعيدية على الارض، من خلال تظاهرات أو اقفال مداخل المعمل، لكن نحن ننتظر الحكومة المقبلة لتحددي المسؤوليات.

 

الرأي الطبي في استمرار معمل الزوق

الدكتورة شارلوت أبو الياس المتخصصة بالامراض الداخلية والغدد والتغذية اعتبرت في حديث لـIMLebanon ان معمل الزوق يجب أن يكون أصلا موجوداً في مكان نائي وليس في مكان سكني قريب من المواطنين، حيث هناك أبنية بعيدة أمتار قليلة عن المعمل، وهذا خطأ.

ومن الخطوات الواجب اتخاذها من قبل المعنيين تعزيز “الفلاتر” لمنع تلوث البيئة. كما دعت الى استخدام الطاقة الايدروديناميكية التي توفر على لبنان الفيول والمال وتحد من التلوث بشكل كبير، معتبرة عدم وضع معالجات ضرورية لما يجري في معمل الزوق الحراري أنه ضد القانون العالمي للتلوث، خصوصاً أن لبنان هو ضمن دول الحوض المتوسط ومن واجبه أن يحافظ على بيئته وبيئة الدول المجاورة، اضافة إلى أنه يجب الحفاظ على نظافة البحر أيضاً.

الانسان في هذه المنطقة يتنشق “مونوكسيد الكاربون” الذي يتكوّن على الكريات الحمراء فيؤدي إلى تعطيل دورهم، خصوصاً أن دورة تنظيفهم تحتاج إلى 3 أو 4 أشهر، ما يشكل خطرا كبيرا على صحة الانسان، علما انه اذا تخطى نسبة معينة قد يؤدي الى الاختناق، وإلى مرض الربو والقلب، كما ان هذا الدخان يدخل إلى الرئات ويعرض الانسان لأنواع عدة من السرطان.

ونبهت ابو الياس المواطنين إلى أن غبار الدخان الذي يخرج من معمل الزوق يمكن أن يعلق على الثياب أو على الأغطية الموجودة على الشرفة، ذلك لا بد من الحذر واتخاذ اجراءات تحميهم نوعا ما من تأثيرات الغبار.

أبو الياس التي رأت انه من واجب الدولة أن تقوم بتجهيز وانشاء معمل آخر بعيد عن الناس لتوزيع الكهرباء، دعت المواطنين في الوقت نفسه الى التظاهر للمطالبة بنقل معمل الزوق لأن لا شيء سحميهم من التلوث، مشيرة في هذا الإطار أيضاً إلى وضع موظفي معمل الزوق الذي يجب أيضاً متابعتهم واتخاذ كافة الاجراءات التي تجنبهم التعرض لأي انعكاسات سلبية على صحتهم نتيجة عملهم.

واذ شددت على ضرورة استخدمام الطاقة الايدروديناميكية ريثما يتم تجهيز معمل آخر لتوزيع الكهرباء، وجهت نصائح عدة للمواطنين لتجنب التلوث وغبار الانبعثات السامة التي تخرج من معمل الزوق، ومنها: تغطية الطعام وعدم وضعه خارجاً. الاستعاضة اذا أمكن عن نشر الغسيل خارجاً بـ”نشافة” في المنزل. واستخدام قطع قماش رطبة من قبل من يسكنون بشكل قريب جدا من المعمل والتنفس منها.

تبريرات كثيرة تعطى، وكلام كثير قيل ويقال. لكن النتيجة كما في كل الحالات، المسؤول غير مسؤول، والدولة عدوة الناس الأولى، والثمن يدفعه المواطن غالياً، من جيبه وصحته وحياته. لماذا وإلى متى؟ الجواب على هذا السؤال بات معروفاً في لبنان!