كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
رغم ملامح التشدد التي تحكم التفاوض الشائك لتشكيل الحكومة الجديدة، فإن أوساطاً مطلعة في بيروت ترى ان الجميع محكومون في النهاية في بلوغ مَخارج، ولو بعد حين، لأن الرئيس المكلّف سعد الحريري ليس في وارد استيلاد حكومة بلا حزب «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، اللذين يُعتبر تمثيلهما النقطة العالقة الأبرز في مسار التأليف او لا يكونان مرتاحيْن الى حجمهما فيها، لإدراكه أن البديل عن هذا الأمر سيكون مكْلفاً سياسياً على البلد داخلياً بعدما «استيقظت» على تخوم «شد حبال» التشكيل «شياطين» الاستقطاب الطائفي والمذهبي وخارجياً في ظلّ «العين المشدودة» على لبنان و«الحكومة المتوازنة» التي يتطلّع إليها المجتمع الدولي كمؤشرٍ الى ان «بلاد الأرز» ما زالت تعمل مؤسساتياً بمقتضيات الشرعيتيْن العربية والدولية.
وفي رأي هذه الأوساط ان الرئيس العماد ميشال عون، التواق الى الانطلاقة الفعلية لعهده من خلال الحكومة العتيدة، لا مصلحة له إطلاقاً في ان يتحمّل فريقه وزر إجهاض المصالحة المسيحية التي عبّر عنها تفاهُم معراب مع «القوات» والذي وفّر الأرضية لانتخابه رئيساً في 31 اكتوبر 2016، وذلك بحال دُفعت الأمور نحو تخيير «القوات» بين حصة «هزيلة» (3 وزراء) او من 4 وزراء بلا حقائب وازنة وبين الخروج الى «المعارضة» كما تروّج بعض الحلقات القريبة من فريق عون.
وتلفت الأوساط في السياق نفسه الى أن الرئيس اللبناني لا يمكن أيضاً ان يترك لعبة «لي الأذرع» بين فريقه والزعيم الدرزي وليد جنبلاط تبلغ حدّ التسبب بـ «حرْق المَراكب» مع «التقدمي» لأن مثل هذا الأمر سيكون من الصعب احتواء تداعياته على أكثر من صعيد، سياسي وطائفي، وذلك بحال الإصرار على القفْز فوق ما يعتبره جنبلاط «معياراً ميثاقياً» في مقاربة تمسُّكه بحصر كامل الحصة الدرزية في الحكومة بحزبه وكتلته (اللقاء الديموقراطي)، اي رفْض اي توزير للنائب طلال ارسلان من هذه الحصة.
وتبعاً لذلك، وانطلاقاً من «مسلَّمة» ان الحريري «لن يترك» حليفيْه «القوات» و«التقدمي» يتهشّمان حكومياً لأن ذلك سيعني استطراداً «تهميش» وزْنه في الحكومة، فإن الأوساط عيْنها ترى ان ما شهدتْه الساعات الماضية، ولا سيما بعد عشاء الرئيس المكلف ليل الأحد مع رئيس تكتل «لبنان القوي» (كتلة رئيس الجمهورية) الوزير جبران باسيل وقبل الزيارة المنتظرة التي قام بها أمس رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع للرئيس عون، هو في سياق استشعار الجميع بأن «هوامش التحرك» ضمن دائرة المراوحة في مسار التأليف بدأت تضيق، ولا سيما في ظل معطييْن: الاول الرغبة الدولية في بت هذا الملف لوضع البلاد على سكة بدء الاستفادة مما وفّرته مؤتمرات الدعم لا سيما «سيدر» للبنان. والثاني «جرس الإنذار» الذي قرَعه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بإزاء العنوان الحكومي والذي بدا في سياق التحذير من أي مماطلة إضافية ستجعل الحزب يخرج من دائرة «المتفرّج» الى الانخراط في «سباق الشروط والشروط المضادة» وبسقوفٍ عالية.
وإذا كان الحريري استفاد من اجتماعه مع رؤساء الوزراء السابقين بمَن فيهم الرئيس نجيب ميقاتي (غير الحليف له) لتشكيل مظلّة جامعة حوله من البيت السني تقطع الطريق عملياً على كل التلميحات الى خطوات من خارج الدستور لسحب التفويض النيابي بتكليفه وتسمح له تالياً بالمضي في مسار التأليف «حامياً ظهره» ومطمئناً الى فقدان مطلب تمثيل النواب السنّ الموالين لـ «حزب الله» أي غطاء من طائفته، فإن ما رشَح عن لقائه مع باسيل لم يحمل أي إشاراتٍ لاختراقاتٍ بقيت رهناً بنتائج اللقاء الذي عُقد بين عون وجعجع باعتبار ان مجرّد حصوله، لا بد ان يترك تداعيات ايجابية على صعيد التأسيس لبتّ أزمة تمثيل «القوات» وطيّ الخلافات.
وكان لافتاً ان اجتماع عون – جعجع سبقتْه «اندفاعة خشنة» على طريقة «استخدام أسلحة الاحتياط» عبّرتْ عنها الوقائع الآتية:
* الكشف عن ان باسيل تمسك أمام الرئيس المكلف، بأن حصة «القوات» وفق قاعدة النسبية التناسب هي 3 وزراء فقط، وان اي موافقة على منحها 4 تعني ألا يكتنف حصتها لا حقيبة سيادية وطبعاً لا منصب نائب رئيس الوزراء وان التكتل ليس مستعداً لإعطائها اي وزارات أساسية على حسابه.
* الهجوم «الناري» على «القوات» من «التيار الوطني الحر» (يترأسه باسيل) عبّر عنه موقفان: الأول وزير شؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول من ان «القوات تآمرت على الجيش والمقاومة ولو وافق حزب الله على إعطاء وزارة الدفاع للقوات فنحن لا نقبل»، وقبْلها مقدمة تلفزيون «او تي في» (التابع للتيار) الإخبارية التي قالت: «التيار الوطني الحر يخوض كما في كل المرّات معركةَ دفاعٍ عن حقوقٍ عائدة له، ولا يَشُن حرباً على الآخرين لنيل مكاسبَ اضافية»، ناقلة عن مصدر سؤاله «هل انتقل رئيسُ القوات إلى ضربِ تفاهم معراب بالعلن، بعدما كان يستهدفُه بشكلٍ مُضمَر طيلة الفترة الأخيرة»؟
* استباق جعجع زيارته «القصر» بتغريدة سأل فيها: «لماذا كل هذه الحرب على تمثيل القوات اللبنانية في الحكومة الجديدة؟ هل لأن وزراء القوات أبلوا بلاءً حسناً في حكومة تصريف الأعمال؟ أهكذا يكافأ حسن السيرة وحسن إدارة أمور الدولة»؟ قبل ان تشير أوساط «القوات» الى ان جعجع سيكون منفتحاً خلال اللقاء مع عون على الاستماع لما يطرح كبدائل ولكن مع ثابتة إعطاء «القوات» حقها بحسب حجمها التمثيلي وتحت سقف تفاهم معراب.
واستوقف دوائر مراقبة كلام رفول عن ان باسيل لن يكون وزير الخارجية في الحكومة المقبلة، متوقّعاً ان تتشكل هذا الأسبوع.