كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:
القصة عمرها نحو 8 سنوات، مدة كافية لإحداث تغييرات جسيمة في أي قضية. قد يسمّي البعض ما يحصل في مجبل باطون مراح الحباس مجزرة بيئية، فيما قد يصفها البعض بالاغتصاب لطبيعة جزين «الألوهية»، لتكون النتيجة المحسومة أنّ «الوقاحة والغطاء السياسي قد يصلان بالبعض لارتكاب المعاصي والاستفحال «وعلى عينَك يا تاجر»، وفق ما قاله نائب رئيس اتحاد بلديات جزين ورئيس بلدية لبعا فادي رومانوس لـ»الجمهورية». وإليكم الرواية.
ساحة الجريمة: سفوح جبال وتقاطع وديان بين عين المير ومراح الحباس ولبعا في قضاء جزين. نوع الجريمة: تشويه أحد جبال مراح الحباس كليّاً، واستكمال العملية في الجبل المجاور في كرخا، فضلاً عن التعدي بوضوح على العقارات الخاصة بالأهالي.
القضية هنا بيئية بحت، رغم أنّ البعض يحاول تلبيسها عباءة طائفية على مقولة «ما بَدّن يانا نشتغِل بلبعا لأنها ضيعَة مسيحيّة ونِحنا إسلام». إلّا أنّ ذلك بعيد كل البعد عن الحقيقة، لأنّ أيّ اثنين لا يختلفان على أنّ التشويه البيئي الحاصل في جزين، فضلاً عن الكوارث الصحية التي يخلّفها في حق الأهالي، هو معصية تُرتكب في حق قضاء لم يعطِ أهله إلّا كل خيرات الطبيعة.
تشير إحدى سيدات البلدة لـ»الجمهورية» بإصبعها الى المشهد الذي يطلّ عليه منزلها، وتقول: «هنا، في هذا المكان بالذات كان هناك جبل يحسدنا على منظره الجميع. وهنا في هذا المكان بالذات إختفى الجبل واستبدله «السفّاحون» بالكسّارات والمرامل والمقالع، وكلّ ما نراه ليس سوى تلال من الحجارة ومن الطبيعة الجرداء والباطون».
تَصمت المرأة الستينية، التي نشأت في لبعا وكبرت فيها، ثم تُكمل: «تدخل الشاحنات في الليل وترمي ما في جعبتها من مواد كيميائية سامّة، خوفاً من أن يفضحها نور النهار. وفي إحدى المرّات وقع بعضها على الإسفلت فتفتّت في اليوم التالي، فما حال الطبيعة إذاً؟ خصوصاً أنّ هذه المواد تصبّ فوق المياه التي نروي منها مزروعاتنا؟».
الخطيب تحرّك ولكن؟
ويؤكد رومانوس أن «الأهالي لن يسكتوا، وكذلك بعض أصحاب الضمير في جزين، أولئك الذين يخافون على أهالي القضاء كما يخافون على أبنائهم، وأولئك الذين لا يخشون غطاءً سياسياً ولا تهديدات… كل تلك الأصوات دفعت بوزير البيئة طارق الخطيب الى إصدار قرار بإيقاف الكسارة عن العمل، إلّا أنّ الأعمال فيها وفي مجبل الباطون لا تزال قائمة ليلاً ونهاراً، فغطاؤها السياسي أكبر من أيّ قرار».
ويضيف: «نعم، هذه هي الإجراءات في لبنان، يتم «إسكات» الناس بإصدار قرار، ومن ثم التغاضي عن كل تَعدٍّ يُطاوله. علماً أنّ الشركة كانت قد حصلت عام 2012 على ترخيص من وزارة الصناعة بتشغيل مجبل باطون في مراح الحباس، يُجدّد كل سنة.
لكنّ الوزارة وجّهت إليه إنذاراً، نهاية العام الماضي، بالتزامن مع قرارات وزارتي البيئة والداخلية بالإقفال بسبب عدم تقيّده بالشروط البيئية، منها النظافة وبرك غسل التربة وتصريف المياه».
تشهد هذه المنطقة إذاً تعديات يمكن تفنيد بعضها، بحسب رومانوس، بالنقاط التالية:
- إنشاء واستثمار كسارة من دون ترخيص.
- إنشاء واستثمار مجبل باطون ومعمل بلاط بترخيص لا يستوفي الشروط القانونية المطلوبة.
- إنشاء أبنية لزوم المعامل من دون ترخيص بالبناء ومن دون رخص استثمار، ولا تصريح عنها أو حتى دفع الرسوم المتوجبة، إضافة إلى منع أجهزة البلدية من الوصول إليها.
- تغيير معالم حدود العقارات المجاورة.
- شق طرقات وتعدّ على أراضي الغير.
- تغيير مسار الساقية ومجاري المياه الشتوية.
- تغيير مسارات ومعالم الطرقات العامة ومنع استعمالها عبر تركيز بوّابات تمنع الوصول إليها.
- رمي أتربة وبقايا الباطون المجبول وبقايا معامل الحجر والبلاط ضمن مجرى الساقية.
- التعدّي على مشاع البلدة عبر تنفيذ أعمال جرف لأسفل العقار المجاور للساقية، وتحويل مجرى الساقية لجهة المشاع بغية توسيع عقارات الشركة من الجهة المقابلة على الضفة الثانية من الساقية.
- إلحاق أضرار وتلوث بالبيئة طاوَلت وتطاول بشكل يومي الهواء والمياه الجوفية والمزروعات في العقارات المحيطة بالموقع.
– إستعمال مجرى الساقية في آخر الموقع، والذي يفصل بلدتي لبعا وكرخا كمكبّ للأتربة الناتجة من استثمار الكسارة ولردميات تمّ جلبها من خارج الموقع، وردم مجرى نهر طبيعي بطول 5 كلم بالمواد الكيميائية السامّة، وهو المجرى الذي يستخدمه أهالي القرى المجاورة لرَي مزروعاتهم، الأمر الذي انعكس تنامياً في الأمراض السرطانية.
ويتابع رومانوس: «قد يكون السبب الأول لاغتصاب البيئة في مراح الحباس هو غياب بلدية خاصّة بالبلدة، وهو ما حتّم على اتحاد بلديات جزين وضع يده على هذا الملف، ليبقى كلّ ذلك ضمن إطار «الحَكي».
وفي هذا السياق، علمت «الجمهورية» أنه تمّ ابتزاز الاتحاد في حال قبوله بإقفال مجبل الباطون والكسارة، بتوقّف صيدا عن استقبال نفايات جزين، علماً أنها لا تستقبلها مجاناً.
إذاً، هذا هو لبناننا، حيث يعطي بعض المسؤولين ما يُسمّى بـ»المذكرة الإدارية» لبعض المشاريع غير القانونية، والتي يحاولون من خلالها تشريع هذه الأعمال، الخارجة في إطارها الحقيقي عن الرخص القانونية والتي تُعطى استباحة. هنا في هذا البلد فساد مُستشرٍ في غالبية القطاعات، هنا يمكن لأيّ «مَدعوم» استباحة الأراضي والتصرف بوقاحة، والتعدي على القانون وعلى صحة الأهالي وأراضيهم وضِيَعهم، وحتى عليهم إذا تجرّأوا على معارضته.