كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
يدور في الوسط السياسي كلام كثير متطابق هنا ومتناقض هناك حول مصير الاستحقاق الحكومي، بعضُه متفائل بولادة الحكومة قريباً، والبعض الآخر متشائم يتحدّث عن ولادة متأخّرة قد تكون بعد بضعة أشهر، فيما فريق ثالث يقول إنّ الولادة أوشكت، لأنّ أوضاع الدولة المالية والاقتصادية تمرّ في مرحلة حسّاسة وخطرة، لا تتحمّل التأخير في المعالجة.
يعتقد فريق من السياسيين أنّ الاتصالات الجارية حالياً على مختلف المستويات تحاول إنضاج تشكيلة وزارية على أن تتبلور معالمها قبَيل عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري من زيارته الخاصة في الخارج المتوقعة بين نهاية الاسبوع الجاري وأواخر الاسبوع المقبل.
ويؤكد هؤلاء انّه على رغم التكهنات والتوقّعات المتناقضة السائدة، وخصوصاً القائلة بتأخّر ولادة الحكومة، فإنّ الرئيس المكلف تأليفَ الحكومة سعد الحريري يدرك انّ ما لديه من هوامش لا تتحمل ممارسة ايّ مناورة خطرة لجهة تأخير التأليف لتحقيق اهداف سياسية معيّنة، فمثلُ هذه المناورة من شأنها ان ترتدّ سلباً على مستقبله السياسي، خصوصا أنه يطمح الى إقامة طويلة في السراي الحكومي الكبير، وقد شكّل اجتماع رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمّام سلام معه في «بيت الوسط» قبل ايام مثابة مبايعةٍ له في هذا الطموح.
ولذا فإنّ ما يمارسه من مناورات على جبهة تأليف الحكومة قد يكون «مناورات تكتيكية» الطابع، خصوصاً وأنّ في اجواء تيار «المستقبل» وبعض القريبين من الحريري مَن يتوقّعون ان يتبلور شكل الحكومة العتيدة خلال الايام العشرة المقبلة، ويقولون إنّ «حزب الله» هو في جوّ هذه المعطيات، بحيث تكون طبخة التشكيلة الوزارية قد نضجت على ابواب عودة بري من الخارج.
وحسب الأجواء «المستقبلية» فإنّ اللقاء الرباعي في «بيت الوسط»، السبت الماضي، أنتج تضامنَ رؤساء الحكومة مع الحريري من جهة، وأدّى الى «شدشدةِِ» للموقف السياسي الذي يعبّر عنه هؤلاء الرؤساء الاربعة في بيئتهم في مواجهة موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من جهة ثانية.
وكذلك برز في اوساط تيار «المستقبل» من يقول ما معناه انّ «حزب الله» تمكّن في ما يجريه من جهته من اتصالات ومشاورات من تدوير بعض زوايا المواقف الحادة، خصوصاً في اتصالاته مع رئيس الجمهورية وقيادة «التيار الوطني الحر»، الامر الذي من شأنه ان يساعد على انجاز الاستحقاق الحكومي قريباً.
وفي سياق هذا المناخ الايجابي، الذي تعكسه المعطيات الماثلة يستنتج «مستقبليون» انّ «القوات اللبنانية» ستُعطى اربعة مقاعد وزارية، وكذلك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط سيُعطى المقاعد الوزارية الدرزية الثلاثة (في حكومة الثلاثين وزيرا)، علماً انّ هناك ما يقترح عليه وزيرين درزيين وثالثاً مسيحياً، لأنّ رئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل ما يزال مصرّاً على ان يكون المقعد الوزاري الدرزي الثالث من نصيب النائب طلال ارسلان او من يمثله.
أمّا تمثيل العلويين بوزير فهو غير وارد لدى الحريري، ما يعني انّ الحكومة ستكون ثلاثينية، وأنّ اقتراح البعض ان تكون من 32 وزيراً لتمثيل كلّ من العلويين والاقليات المسيحية بوزيرين قد طويَ نهائياً.
واكثر من ذلك فإنّ في مناخ المحيطين بالحريري كلاماً عن أنّ التباين الذي ساد أخيراً بينه وبين رئيس الجمهورية قد تمّ تذليله في اللقاء الاخير الذي انعقد بينهما في قصر بعبدا الاسبوع الماضي.
لكنّ في أجواء «القوات» موقفاً متشائماً بولادة حكومية قريبة على رغم لقاء الامس بين عون وجعجع في القصر الجمهوري، إذ في اجواء «القوات» مناخ مفاده انّ العقدة المسيحية ما تزال قائمة، لأنّ اللقاء بين عون وجعجع لم يتناولها بالبحث، فبَعد مداخلة لجعجع تناولت موقف « القوات» المتمسك بـ«تفاهم معراب» لم يتطرّق البحث الى موضوع تأليف الحكومة لأنّ عون اكّد انه لا يريد التدخّل في هذا الملف وتبنّي وجهة نظر على أخرى، وفضّل ان يعالج الموضوع في لقاء بين باسيل وجعجع يتمّ خلاله التقريب بين وجهتي نظرهما في هذا الشأن. وذلك على غرار اللقاء الذي حصل بين باسيل والحريري في «بيت الوسط» قبل ايام. علماً انّ هذا اللقاء لم ينتهِ الى تفاهم، على حدّ ما شاع في اوساط الجانبين.
وتفيد اوساط «قواتية» انه وفي انتظار ترتيب موعد اللقاء بين جعجع وباسيل، فإنّ «القوات» متمسكة بوجهة نظرها، وهي ان تجسّد وزارياً ما حقّقته شعبياً ونيابياً، وهي تريد ان تتمثّل في الحكومة «كمَّاً ونوعاً» ولن تتنازل عن ذلك، وهي تأمل في فترة التحضير للّقاء بين جعجع وباسيل ان يتوقّف «التيار الوطني الحر» عمّا تسمّيه «الحملات التضليلية» التي يشنّها باسيل ضدها، وإنّها تأمل بعد لقاء عون وجعجع ان تسود فترة تهدئة سياسية بما يمهّد للقاء تُجرى فيه قراءة سياسية مشتركة تنتهي الى طيِّ العقدة المسيحية التي تواجه تأليفَ الحكومة.
أمّا العقدة الدرزية، فهي حسب مناخ «القوات»، ما تزال هي الأُخرى قائمة لتمسّكِ عون بتوزير شخصية درزية غير جنبلاطية، أي ارسلان أو من يمثله، ورفض إعطاء الحصة الوزارية الدرزية كاملةً لجنبلاط وحده.
وفي رأي سياسيين انّه بعد تأليف الحكومة فإنّ الاهتمام الداخلي والخارجي سينصبّ على الاوضاع الاقليمية من سوريا الى العراق فاليمن، خصوصا وأنّ القمة المقررة في 16 تموز الجاري بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين ستشكّل مفصلاً في شأن مصير الازمات الاقليمية ومستقبلها، ولذلك لا بدّ من ان يكون لبنان جاهزاً لاستيعاب ايّ تداعيات للقمّة الاميركية ـ الروسية ونتائجها في شأن الاوضاع في المنطقة في ضوء «صفقة القرن» التي يعمل ترامب على تحقيقها بين الفلسطينيين واسرائيل، وهي صفقة في حال حصولِها ستكون لها تداعياتها على لبنان والمنطقة برمَّتها، وقد بدأت تغزو الاوساط اللبنانية من الآن مخاوف من ان يكون أحد تداعيات هذه الصفقة توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فضلاً عن سعي بعضِ الدول لتوطين نازحين سوريين في لبنان تحت عنوان «العودة الطوعية» لهؤلاء، وكلّ ذلك خلافاً لدستور الجمهورية اللبنانية الذي يقضي في مقدّمته بعدم التوطين.
ولذلك، يؤكد احد السياسيين، أنّ تأليف الحكومة التي تقف على أبواب «صفقة القرن» يجب أن يأخذ في الاعتبار ان تضمّ فريقاً وزارياً يعمل بموقف موحّد لحماية لبنان من ايّ انعكاسات او تداعيات لـ«صفقة القرن» عليه وعلى بقية الدول العربية التي يمكن ان تتأثّر مباشرةً بها، اي ما يسمّى «دول الطوق»، وهي إلى لبنان؛ سوريا والاردن ومصر.
وأياً كان الامر، فإنّ لبنان سيتلقّى من «صفقة القرن»، إذا حصلت، انعكاسات غير محمودة العواقب، ما يستوجب حكومةً من النوع القادر على التصدّي للأزمات، أي حكومة تتحمّل كلُّ المكوّنات السياسية المشاركة فيها مسؤولية القرار والمواجهة لحماية لبنان من انعكاسات «صفقة القرن» المرتقبة.