كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
… وقْفُ إطلاقِ نارٍ سياسي، فكّ اشتباك، «تبريد الأرض»، اتصالات «غسْل قلوب»، ولقاءات «وجها لوجه». إنها «خريطة الطريق» الطويلة والمتعرّجة التي رُسمتْ لمسار تأليف الحكومة الجديدة في لبنان والذي دَخَل مرحلةً جديدة أمس محكومةً بـ«أجواء واعدة» تبقى ترجمتُها رهناً بالقدرة على تدوير زوايا العقد «الثابتة» في عملية التشكيل التي تدور في مكانها منذ 41 يوماً.
وبدتْ بيروت أمس «تحت تأثير» الحِراك الإيجابي الذي شهدتْه الساعات الماضية وتحديداً اللقاء الذي عُقد في القصر الجمهوري بين الرئيس ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وما أَعْقبه في سياق «ديبلوماسية الليل» من مشاوراتٍ مباشرة أو هاتفية تحت عنوان «التهدئة أولاً» سياسياً وإعلامياً لإدارة ملف التشكيل «على البارد».
ورغم الاختراق الذي شكّله لقاء عون – جعجع وما خلص إليه من فرْملة المسار الانحداري لتفاهم معراب بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» (حزب عون) والتمهيد لمعاودة وصْل ما انقطع في علاقتهما في سياق تهيئة المناخ للاتفاق على التمثيل المسيحي، إلا ان المعطيات المتوافرة حول عملية التأليف تشي بأنه ما زال أمامها طريق غير قصير وصولاً الى تذليل عقدتيْ حصّة «القوات» والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط في الحكومة.
وبعدما طوي ليل الاتصالات (الاثنين) على خلاصاتٍ عن ايجابياتٍ وحلحلةٍ أوحت بانفراج جزئي كان يمكن ان يحمل الرئيس المكلف سعد الحريري أمس الى القصر الجمهوري بعدما أرجأ سفره لمواكبة المستجدات الحكومية، حملتْ الساعات اللاحقة إشاراتٍ الى ان «خريطة الطريق» التي كشف جعجع بعد زيارته عون انه جرى الاتفاق عليها على ان تتُرجم تباعاً في إطار المساعي لتسريع تشكيل الحكومة تمرّ بمراحل عدة أوّلها وقف السجالات بين «التيار» و«القوات» والتحضير للقاء يجمع جعجع ورئيس التيار الوزير جبران باسيل في محاولة للتوفيق بين سقفيْ التفاوض اللذين رسمهما كل من الفريقيْن: القوات برفْض اي تحجيم لها في الحكومة والتيار بإصراره على معادلة النسبة والتناسب استناداً الى نتائج الانتخابات ورفْض ان يكون تمثيل اي طرف «من كيسه».
وسريعاً بدأتْ عملية السير بـ «خطة العمل» التي اتُفق على ركائزها في لقاء عون – جعجع الذي كُشف انه أجرى ليل الاثنين اتصالاً بالوزير باسيل الذي التقى امس الوزير القواتي ملحم الرياشي بحضور النائب إبراهيم كنعان في إطار التمهيد لإطلاق اجتماعاتٍ تحضيرية بين ممثلين للحزبيْن تسبق لقاء جعجع – باسيل، وسط انطباعٍ بأنّ هذا اللقاء يحتاج الى بعض الوقت ولن يكون قبل عودة رئيس «التيار» من إجازة عائلية في أوروبا يبدأها في الساعات المقبلة.
وتَزامَن تواصُل رئيسيْ «القوات» و«التيار» مع حركةٍ شهدها «بيت الوسط» حيث التقى الحريري، الرياشي قبل ان ينضمّ اليهما النائب وائل ابو فاعور. وقد تخلل هذا اللقاء اتصال أُجري بجعجع الذي وضع الرئيس المكلف في أجواء اجتماع القصر وتمنى على ابو فاعور التهدئة بين «التقدمي» و«التيار الحر»، وسط تقارير اشارت الى اتصال جرى أيضاً خلال وجود الرياشي في دارة الحريري بالرئيس عون الذي أكد على الأجواء الايجابية التي سادت محادثاته مع جعجع.
وفيما يفترض ان يكون الحريري – الذي تلقى أمس اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو تناول المستجدات المحلية والاقليمية – غادر بيروت أمس (أو اليوم) في إجازته العائلية، فإن فترة «الاستراحة» هذه، ستكون فرصة لتوفير «سلّم» يساعد كل طرف على النزول من على «الشجرة» التي صعد عليها، وتثبيت قرار التبريد الذي اتُخذ على «الجبهات الساخنة» وترْكه يأخذ مداه استعداداً لجولات التفاوض الحاسمة التي تنطلق بعد انتهاء «مرحلة السفر» الذي يشمل ايضاً رئيس البرلمان نبيه بري.
وتبدي أوساط سياسية اقتناعٍها بأن المَخارج الممكنة لعقد التأليف ليست كثيرة ولا مستحيلة وبينها إمكان تعويض «القوات» عن حقيبة سيادية ونيابة رئاسة الحكومة بحصة من 4 وزراء تشمل حقائب وازنة، وحصْر التمثيل الدرزي (3 وزراء) بفريق جنبلاط لأن عكس ذلك سيعني استحالة تأليف حكومة لن يرضى الحريري بأن تكون «القوات» وجنبلاط غير مرتاحيْن لتمثيلهما فيها.
وتشير هذه الأوساط الى ان جانباً آخر من مسار التأليف ما زال محور تدقيق، رغم تراجُع الحديث عنه إعلامياً، ويتمثل في عدم رغبة أطراف عدة، وإن لاعتبارات مختلفة، في ان تفضي أي تسويات لاستيلاد الحكومة الى منْح تكتل «لبنان القوي» (الكتلة النيابية لعون) ورئيس الجمهورية حصة من 11 وزيراً تشكل عملياً الثلث المعطل في حكومة ثلاثينية، وهو الأمر الذي يمنح حامِل هذه «الحصة الذهبية» قدرة كبيرة على التحكّم بمسار الحكومة العتيدة و… مصيرها.