كتب ألان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
ما يزال النزاع العقاري بين بلدتي العاقورة واليمونة محطَّ اهتمامِ أعلى المراجع في الدولة، خصوصاً أنّ المعنيين سارعوا الى نزع الطابع الطائفي عنه.
لا يمكن لأحد إنكار عمق المشكلة العقارية مع أنّ القوانين والخرائط واضحة وتعطي الحقّ لأبناء العاقورة بملكية المساحات المتنازَع عليها، في وقت، يبقى النزاع العقاري بين تنورين واليمونة بلا حلّ، وسط تأكيد جميع المرجعيات بأنه ليس نزاعاً مارونيّاً- شيعيّاً.
القصة تتفاعل منذ محاولة أهالي اليمونة وضع اليد على مساحات شاسعة من جرود جبل لبنان، وقد اصطدموا برفضٍ عاقوريٍّ حازم، فيما يسيطرون على نحو 13 مليون متر مربّع من أراضي جرد تنورين، وقد بنوا على المساحات المصادرة بفعل قوّة الأمر الواقع منازل، ويزرعون الممنوعات، ويمنعون أهالي تنورين من استغلالها.
وتعود هذه المشكلة الى عشرات السنوات، وقد فشل المسؤولون في الدولة، والسلطات المحلّية في إحقاق الحقّ وإعادته لأصحابه.
لا يستطيع أحد «التذاكي» على الحدود الطبيعية الفاصلة بين محافظتي جبل لبنان والبقاع، وهذه الحدود وُضعت بحكمٍ قضائيٍّ مبرَم عام 1936، من ثمّ أتت المساحة لاحقاً في الستينيات وثبتت ملكية جرود العاقورة لأبناء البلدة، وعام 1999 تمّت الموافقة على إنشاء محمية اليمونة البقاعية بقانون من مجلس النواب، وهذه المحمية هي الحدود الفاصلة بين اليمونة والعاقورة، وكل الأراضي المحاذية لليمونة ناحية جبل لبنان هي أملاك العاقورة، وذلك وفق الخرائط النافذة والمصدّقة لدى الدولة.
وبعد تجدّد النزاع منذ أسابيع واعتداء شبّان من اليمونة على شرطة بلدية العاقورة، توحّدت البلدة على اختلاف عائلاتها وانتماءاتها السياسيّة، وصعّدت اللهجة، فيما انتشر الجيش على الأرض وسيّر الدوريات مانعاً حصول إحتكاكات، وإستغلال الأراضي التي حاول أبناء اليمونة السيطرة عليها.
يعمل أبناء العاقورة ويقودون معركتهم تحت عباءة بكركي، علماً أنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قد وقف سدّاً منيعاً منذ نحو سنتين، مانعاً تحويل مشاعات العاقورة التي تعود ملكيّتها لأبناء البلدة، الى مشاعات عامة للدولة.
والجدير ذكره، أنّ المشاعات في جبل لبنان التاريخي الذي يمتدّ من جزين الى بشرّي وإهدن تعود ملكيّتها لأبناء البلدات، فيما بقية المشاعات خارج هذه الحدود هي ملك الدولة.
لا شكّ أنّ توحّد أبناء العاقورة خلف قضيتهم ساهم في تحريك الرأي العام والمسؤولين في الدولة، والجديد في المسألة، أنها باتت في عهدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفق ما أكّد رئيس بلدية العاقورة الدكتور منصور وهبي لـ»الجمهورية».
وقد زار أبناء العاقورة الرئيس عون أمس الاول، حاملين الوثائق التي تثبت الملكيّة، وقد أعطى عون تعليماته للمسؤولين بحلّ هذه القضية وفق القانون وبما يحفظ حقوق الجميع، وتمّ الإتفاق على خريطة طريق.
وتنتظر العاقورة الإنتهاء من عملية مسح جردها باسم أبناء البلدة لتثبيت النقاط الحدودية نهائياً، في حين أنّ هذا الأمر قدّ ينعكس إيجاباً على بلدة تنورين المحاذية لها، وذلك لأن تثبيت الخط الفاصل بين جبل لبنان والبقاع سيستكمل طريقه نحو جرود تنورين.
لكنّ قضية العاقورة التي حرّكت كل الفاعليات المسيحية بقيادة بكركي تتطلّب تحرّكاً مماثلاً من فاعليات تنورين، بدل الإلتهاء بالصراعات الداخلية، خصوصاً أنّ المساحة المصادَرة ليست بالرقم السهل، وهذا الأمر يقع على عاتق بلدية تنورين بالدرجة الأولى التي يدعمها الأهالي في خطوة من هذا النوع، لأنها السلطة التنفيذية في البلدة وتستطيع التواصل مع جميع المرجعيات وصولاً الى رئيس الجمهورية الذي يُبدي تجاوباً في حلّ ملف العاقورة. كما أنّ هناك مسؤولية تقع على عاتق الأحزاب التي وقفت خلف بلدية العاقورة المطالبة بحقها، إضافة الى العميد شامل روكز الذي هو إبن بلدة تنورين، وقادر على التواصل مع الجميع.
لكنّ كل ذلك، يتطلّب أولاً تحريك الملف من قبل أبناء البلدة، خصوصاً أنّ قطوع إقتلاع الصخور من جرد تنورين من أجل استكمال أعمال سدّ بلعا قد مرّ على خير، ويجب حالياً التحرك من أجل إسترجاع الثلاثة عشر مليون متر مربع المصادرة، واستغلال لحظة إنتفاضة أهالي العاقورة وتحرّك المرجعيات، وإلّا ستصبح هذه الأراضي في خبر كان، فهل مَن يجرؤ ويتحرّك؟