كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
ظهرت خلال الأيام الأخيرة مبادرة جديدة في لبنان، للتعامل مع مسألة النزوح السوري التي تُعتبر قضية دولية وإقليمية بإمتياز. إذ على رغم تحفّظ دول القرار الدولي قانونياً، طرح كل من «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، كل على حدة، مبادرة مشترَكة، قوامها تشكيل لجان من حزبيهما في مناطق وجود النزوح السوري، تتعاون مع القوى الاجتماعية والبلدية فيها لـ«التواصل الأخوي» مع النازحين السوريين وإقناعهم بالعودة الى بلدهم.
أمور عدة في هذه المبادرة إسترعت إنتباهَ جهات خارجية وداخلية مهتمة بملف النزوح السوري، وتتعامل معه بصفته ملفاً دولياً وقانونياً بامتياز، وله تأثير كبير على علاقات لبنان الخارجية.
وأبرز ما لفت هذه الجهات هو إستعمال مطلقي المبادرة في سعيهم لإعادة النازحين بقرار لبناني أحادي، مصطلح «التواصل الأخوي مع النازح السوري لإقناعه بالعودة لبلده». وحتى ما قبل إطلاق هذا المصطلح، كان هناك مصطلحان أو منهجيّتان يدور حولهما نقاش قانوني بين لبنان والمجتمع الدولي، لجهة أيهما يجب إعتماده في التعامل مع ملف إعادة النازحين: المصطلح الأول هو «العودة الطوعية»، ويقول بها المجتمع الدولي، والثاني هو «العودة الآمنة» وتقول بها بيروت، أو جهات سياسية في لبنان. والآن تطرح هذه الجهات اللبنانية (حزب الله والتيار الوطني)، مصطلح «التواصل الأخوي» مع النازحين لتشجيعهم على العودة بالإقناع. والملاحظة الأوّلية على هذا المصطلح التي تسجّلها المصادر عينها، تقع في أنه أوّلاً ليس لهذا المصطلح أيّ مستند في القانون الدولي الخاص بطريقة التعامل مع حالات اللجوء، وأنه ثانياً لا يجيب على الشرط القانوني لطريقة إعادة النازحين «الآمن» أو «الطوعي»، وثالثاً، وهنا المأخذ الأكبر الذي يتولّد من كون اتّباع هذا الأسلوب في التعامل مع النازحين السوريين، ولو رفع شعار التواصل الأخوي، يهدّد بتحويل نشاط «لجان الإقناع والتواصل الأخوي الشعبية اللبنانية» المنتشرة في مناطق وجود النازحين»لوبيات» ضغط نفسي على النازحين المقيمين بين ظهراني الاجتماع اللبناني.
خصوصاً وأنّ هذه اللجان ستكتّل لمصلحة جهدها – تحت عنوان التعاون-، بلديات وفعاليات مناطق وجود النازحين، للإنخراط معها في حملة التواصل مع النازحين في مناطقها، حيث إنّ العرض المقدَّم اليه هو العودة فوراً، ما سيكون له وقع نفسي ومعنوي على النازح يفيد أنّ المجتمعات المضيفة له تعرض عليه رسالة مفادها أنه «غير مرغوب فيه بين ظهرانيها»، ولا يخفّف من هذا المعنى عنوان «التواصل الأخوي» الذي تعمل اللجان على اساسه.
وإزاءَ دخول ملفّ النازحين مرحلة مبادرة لبنانية جديدة، فإنّ أوساطاً معنيّة ومتابعة لهذا الملف من زاويتيه الداخلية والخارجية، كشفت لـ«الجمهورية» معلومات حول تحضيرات ومواقف تتفاعل حالياً في الظل، وهي مرشحة لأن تتحكّم في فترة ما بعد تشكيل الحكومة بطبيعة السبل التي سيسلكها هذا الملف:
أولى هذه المعلومات، أو المعطيات، تكشف أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون وضع في وقت سابق من هذه السنة خطة للبدء بإعادة النازحين وحدّد موعدَ تنفيذها بعد الانتخابات النيابية وتقضي بتشكيل لجنة رسمية مشترَكة بين الحكومتين اللبنانية والسورية، تضمّ مسؤولين سياسيّين وأمنيّين وخبراءَ قانويين، غايتها التنسيق والتخطيط لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم. ومن المتوقع بعد تأليف الحكومة أن يصار الى تنفيذ هذه الفكرة، ويبدأ التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية للبدء بتنفيذها عملياً.
ثاني هذه المعلومات تفيد عن وجود عقبات لوجستية وموضوعية، مصدرها الحكومة السورية، قد تعترض تنفيذ خطة رئيس الجمهورية، أو تجعل تنفيذها خاضعة لديناميكية تباطؤ. وأبرز هذه العقبات تتمثل بنقطتين: الأولى تتعلّق بأنّ الدولة السورية ليست لديها الإمكانات المالية والأهلية الاقتصادية الكافية لاستقبال دفعات كبيرة من النازحين السوريين، وأنّ البديل من ذلك الذي تفضّله، هو إرسال أعداد صغيرة منهم وعلى دفعات متفاوتة زمنياً، وهذا ما يفسّر خلفية قرار «حزب الله» بإنشاء لجان شعبية لتشجيع عودة النازحين، ما يضمن وتيرة متتالية وبدفعات صغيرة لعودتهم. والنقطة الثانية تتصل بأنّ الدولة السورية في حاجة لدرس أسماء النازحين الراغبين العودة من الناحية الامنية على إعطائها الإذن بإعادتهم. وفي هذه الحال أيضاً، تفضّل دمشق أيضاً تنسيقَ عودة النازحين بنحوٍ متباطئ وعلى دفعات صغيرة.
وثالث هذه المعلومات، تتحدث عن مقاربة عامة لملف النازحين أو «اللاجئين»- حسب التسمية الدولية لهم ـ في المنطقة. وتقول هذه المقاربة إنّ الطرح اللبناني الداعي الى عودة النازحين فوراً، وبمبادرات «عشوائية» وشعبية، غير منسّقة مع الأمم المتحدة، يتّسم في أنه يستسهل هذا الملف، ولا ينظر اليه واقعياً. وتعرض هذه المقاربة لأزمة اللاجئين السوريين في لبنان كونها جزءاً من أزمة اللجوء الصعبة في كل المنطقة، وإنّ حلّها على نحوٍ آمن ومن دون أن يخلف نتائج كوارثية على أمن اللاجئين، يحتاج الوقت الكافي والضمانات السياسية والاقتصادية الكاملة. فمثلاً الحرب الاهلية في افغانستان في الثمانينات ادّت الى هجرة ملايين من الافغان في اتّجاه ايران والعراق والدول المجاورة، ولا يزال هناك حتى الآن نحو مليوني أفغاني لاجئ في إيران. والحرب العراقية منذ 2003 إثر الإحتلال الاميركي لبغداد ادّت الى تهجير بضعة ملايين من العراقيين الى سوريا وايران ودول الجوار في المنطقة، ولا يزال هناك حتى الآن أكثر من نصف مليون عراقي لاجئ في ايران وآلاف العراقيين في سوريا ولبنان. وكل هذه الوقائع تؤشر الى أنّ ملف اللجوء الناتج عن الحروب الاهلية التي تمزّق الدول الوطنية، يحتاج الى معالجة شاملة ومركّبة تكون في مستوى تركيبته الصعبة والحساسة.