كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
بعد إنجاز إعلان النيات، ثمّ اتفاق معراب، بات من الصعب لمح إبراهيم كنعان وحيداً، من دون أن يكون مُتأبطاً يد ملحم رياشي. تحوّل الرجلان إلى «نجمين»، إن كان لدى من أُعجب بثنائيتهما ومن انتقدها. وبعد حفلة الزجل الدائرة حالياً بين قيادتَي الحزبين والمُناصرين، خصوصاً في العالم الافتراضي، بات السؤال البديهي عن مصير «عرابَي المصالحة المسيحية»
مع التقاط الصورة التذكارية بين النائب (في حينه) ميشال عون ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، في معراب، كانت هذه المشهدية خاتمة جهود عرابَي اتفاق معراب النائب إبراهيم كنعان والوزير ملحم رياشي، ولو أنّهما لا يوافقان على ذلك.
قبل تاريخ 18 كانون الثاني 2015، كان الرجلان قد تمكّنا من وضع المصالحة بين «مسيحيي» التيار الوطني الحر و«مسيحيي» القوات اللبنانية، حيّز التنفيذ. يسجل لهما أنهما نجحا في تقليص المسافة بين الرابية ومعراب، علماً أنّهما لم يتمكنا من إقناع كلّ المسؤولين في «التيار» و«القوات» بأهمية هذا الالتقاء. ولكن، بعد الأزمة الأخيرة بين التيار الحر والقوات اللبنانية، يُصبح السؤال ماذا عن مصير ثنائية كنعان – رياشي، بعد تظهيرهما كمُجترحين لـ«المعجزات»؟
اقتنص الرجلان الفرص الكثيرة من خبرية «المصالحة المسيحية»، فاستثمراها بالمحاضرات واللقاءات الثنائية، ولم تبق وسيلة إعلامية، إلا واستفادت من وجودهما لرفع نسبة المشاهدة. إلا أنّه، لم يعد بإمكان كنعان ورياشي التعامل مع الأمر «بخفّة» وبالتنكيت، كأن يصعد رياشي إلى منبر «تكتل لبنان القوي» بعد انتهاء كنعان من إلقاء بيان اجتماع التكتل، ويتصوران ضاحكين، ومُوحيين بأنّ الخلاف بسيط. انتهى المفعول العملي لأغنية / شعار «أوعا خيّك»، الذي تحوّل إلى إبرة مُخدّر تُستعمل كلّما تظهّر الخلاف بين الفريقين أكثر، كأنّه بالعواطف وحدها تحيا المصالحات! ابنَا المتن، يتحملان اليوم جزءاً من المسؤولية لأنّهما ظلا مُصرين على إنجاز المصالحة، التي لم تُقرن بـ«مراسيم تطبيقية»، ولا أمكن لهما تسويقها في قواعد الطرفين.
بعد تكليفهما بـ«المهمة المستحيلة»، نجح كنعان ورياشي في التقريب بين قيادتَي حزبين لم تجمع بينهما سوى حروب الإلغاء والدماء. أمام ذلك الحدث «التاريخي»، باتا يعتبران أنّ أي اتفاق سياسي سيكون «هامشياً»، طالما أنّ الأرضية أصبحت صلبة، والهدف الأساسي قد تحقق، وهو المُصالحة. إلا أنّ الأمور سلكت طريقاً آخر، وأصبح الاتفاق السياسي القائم على المصلحة (اتفاق معراب)، هو «السوسة» التي ستنخر إعلان النيات (المُصالحة)، وتُخرّب على كنعان ورياشي ما صنعاه.
قبل أيام، بدا وكأنّ الأمور تكاد تفلت من أيدي العرابين اللذين لن يكونا بمنأى عن الترددات السلبية لأي ارتجاج يصيب الوضع المسيحي مجدداً. القصة لا تقتصر فقط على مجموعة من «المُتحمسين» على وسائل التواصل الاجتماعي، ممن أطلقوا وسمَي «معراب_خانت_لبنان» و«معراب_صانت_لبنان»، لتبدأ عندها حفلة الجنون، واستحضار «التاريخ الأسود» بين الفريقين. بل طاولت أيضاً مسؤولين حزبيين، على مثال مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في «القوات»، الزميل شارل جبور، ونواب من جانب «التيار» كزياد أسود الذي اعتبر على «تويتر» أنّ «الاتفاق المكتوب ليس الحل المنشود لخلافٍ موجود». عملية رصّ صفوف «العناصر» غير المنضبطين تبدو، هذه المرة، أصعب، ولكنّها بالتأكيد أسهل من إعادة الثقة إلى علاقة مبنية على اتفاق نفعي ضيّق، من الطبيعي أن يكون له مدى زمني مُعيّن، فضلاً عن اتهامات مُتبادلة بـ «الغدر».
في إحدى لقاءات كنعان في معراب، قال له جعجع بما معناه إنّه من الأسهل خوض مفاوضات معه لأنّه لا يملك ذاكرة سيئة من الحرب. فما كان من كنعان إلا أنّ ذكّر مضيفه بأنّه تعرّض عام 1989 للخطف، ونُقل إلى مبنى الأمن التابع «للقوات» في الكرنتينا، وفي المرّة الثانية نجا من الخطف. لم يكن جعجع يعرف خلفية ضيفه، الذي قرّر في لحظة ما أن «يتناسى» ما حلّ به ويعمل على التقارب بين عون وجعجع. أصبح كنعان موفد ميشال عون إلى معراب، من دون أن يتمكن من بناء علاقة مُميزة مع جعجع، كتلك التي جمعت رياشي بالجنرال، وأساسها إيمانهما المُشترك بالمسيحية المشرقية. منذ البداية، كانت هناك كيمياء بين عون ورياشي، الذي أضحك زعيم «التيار» حين شبّه له حوار التيار العوني والقوات اللبنانية بـ«كافيار البيلوغا» (من أجود أنواع الكافيار المُهدد بالانقراض). الجانب الشخصي بين الرجلين، والذي تخطّى العلاقة السياسية، كان أول المُتضررين من النزاع الأخير. ففي النتيجة، سيبقى رياشي ممثل القوات اللبنانية، وسيستقبله الرئيس عون من خلف مكتبه في القصر الجمهوري (على غير العادة)، إذا ما أراد أن يوصل رسالة سياسية سلبية إلى قيادة معراب.
يرفض كنعان ورياشي الحديث في هذه الفترة، التي تستمر خلالها الاتصالات الثنائية للاتفاق على «هدنة». ثنائيتهما هي الأقدر حتى الآن على خلق تواصل بين الفريقين. وعلى عكس ما يُقال، «هلّق بيزيد شغلنا». ولكن، هناك تشديد على أنّ مسؤولية المُتابعة «لا تقع على كنعان ورياشي فقط، بل على الجميع في التيار والقوات». وبحسب معلومات «الأخبار»، الاتصالات بين كنعان ورياشي، بتكليف من باسيل وجعجع، لم تتوقف في الساعات الأخيرة. وقد دخلت البطريركية المارونية على الخط، أمس، من خلال طلب الكاردينال بشارة الراعي من كنعان ورياشي أن يجتمعا به في بكركي يوم الخميس.
اقرأ ايضاً: