اعتبرت مصادر سياسية لبنانية أنّ كلام رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن دعوة مجلس النوّاب إلى الانعقاد لمناقشة التأخير في تشكيل سعد الحريري حكومة جديدة يندرج في سياق الضغوط التي يمارسها حزب الله على رئيس الوزراء المكلف.
وتستهدف هذه الضغوط، التي تعني في حال نجاحها انقلابا على اتفاق الطائف، أن يعتذر الحريري عن عدم تشكيل الحكومة أو القبول بالصيغة التي يريد خصومه فرضها عليه.
لكن هذه المصادر استبعدت نجاح هذه الضغوط في تحقيق أهدافها نظرا إلى أنه ليس في الدستور اللبناني، المبني على اتفاق الطائف، مهلة محددة وضعت لرئيس مجلس الوزراء المكلف لتشكيل حكومته.
وقالت في تصريح لـ”العرب” إنّه لا توجد أيّ مادة دستورية تسمح بمحاسبة سعد الحريري بسبب التأخير في تشكيل الحكومة في وقت يرى الأخير أنّه قام بكل ما يستطيع القيام به من أجل أن تكون الحكومة الجديدة متوازنة و”وفاقية” على حد تعبير الأوساط القريبة منه.
وكشفت المصادر أن الحريري قدّم لرئيس الجمهورية ميشال عون صيغا عدة لتشكيل الحكومة، لكنّ هذه الصيغ لم تحظ بموافقة عون المصرّ على حكومة ذات طابع معيّن يتحكّم بها مع حزب الله بمجلس الوزراء، على أن يسميها “حكومة العهد الأولى”.
وقالت المصادر إنّ هدف الحزب من استخدام برّي ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل في الضغط على الحريري هو التعجيل في تشكيل حكومة وفق مقاييس وضعها الحزب أصلا.
وأوضحت أن هذه المقاييس متفق عليها بين حزب الله من جهة وكلّ من رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل من جهة أخرى وتتلخص بتحويل سعد الحريري رئيسا لحكومة يسيطر عليها حزب الله عمليا ولا كلمة ذات وزن له فيها.
وكان ملفتا أن باسيل ذهب أخيرا في إحدى المقابلات التلفزيونية إلى اعتبار أن رئيس مجلس الوزراء “يدير” جلسات المجلس، أي أنّه مجرد وزير مثله مثل أي وزير آخر، وليس الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية كما نصّ على ذلك اتفاق الطائف والدستور الذي انبثق عنه.
وشرحت المصادر أنّ هذه المقاييس، التي وضعها حزب الله ويسعى إلى فرضها، تقوم على ألّا تتجاوز حصة الحريري وكلّ من القوات اللبنانية والزعيم الدرزي وليد جنبلاط عشرة وزراء في حكومة من ثلاثين وزيرا.
وهذا يفضي إلى عدم امتلاك رئيس مجلس الوزراء ما يسمّى “الثلث المعطل” داخل الحكومة، أي ثلث الوزراء زائدا واحدا. ويستهدف ذلك منعه من الاعتراض على قرارات كبيرة يمكن أن تتخذها الحكومة من نوع إقامة علاقات طبيعية مع النظام في سوريا أو إقرار إجراءات تسهل على إيران استخدام لبنان، خصوصا القطاع المصرفي فيه، للتحايل على العقوبات الأميركية والدولية وتجاوزها.
وترى الأوساط السياسية أنّ حزب الله، الذي يتظاهر حاليا بأنه بعيد عن الضغوط التي تمارس على الحريري، يريد في الواقع تحقيق ثلاثة أهداف أخرى، إلى جانب الهدف الكبير المتمثل في منع رئيس الحكومة من أن يكون لديه “الثلث المعطل”.
وقالت إن هذه الأهداف الثلاثة هي الآتية:
إيجاد تمثيل سنّي معارض بقوّة لسعد الحريري داخل الحكومة من منطلق أن نتائج الانتخابات كشفت أنّه لا يمثل أكثر من نسبة ستين في المئة من أصوات السنّة في لبنان.
تقليص حجم القوات اللبنانية إلى الحد الأدنى، أي إلى ثلاثة وزراء في حكومة من ثلاثين وزيرا، وأربعة وزراء في حكومة من اثنين وثلاثين وزيرا.
التأكيد لوليد جنبلاط أنه لا يمثل كلّ دروز لبنان وأن عليه مراعاة وجود جناح آخر في الطائفة وهو ما يسمّى الجناح الأرسلاني. والهدف من ذلك إجبار جنبلاط على أن يكون له وزيران في الحكومة وليس ثلاثة، فيما يكون الوزير الدرزي الثالث طلال أرسلان نفسه الذي يرمز إلى وجود دروز غير موالين لجنبلاط، بل على خلاف عميق معه.
وذكرت المصادر السياسية أن السؤال الذي يفرض نفسه في نهاية المطاف هو الآتي: من يشكل الحكومة اللبنانية في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف؟
وأشارت في هذا المجال إلى أنّ الهدف غير المعلن من فرض ما سمّاه حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله بـ”معايير” معينة في تشكيل الحكومة هو الانقلاب على الطائف. وهذا يعني أن رئيس الوزراء المكلف ليس الشخص الأساسي والمحوري في عملية تشكيل الحكومة، بل هناك عودة إلى جمهورية ما قبل الطائف حين كان رئيس الجمهورية هو من يشكل الحكومة تاركا لرئيس الوزراء حرية الإتيان بعدد من الوزراء يعملون تحت جناحه.
وذكرت أن الضغوط التي تمارس على الحريري من أجل الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة بدأت بتغريدة للنائب جميل السيّد المحسوب على النظام السوري وعلى بشّار الأسد شخصيا. فقد سبق للسيّد، وهو من بين الضباط الأربعة الذين سجنوا للاشتباه بدورهم في تغطية عملية اغتيال رفيق الحريري في العام 2005، أن طالب بعريضة يوقعها 65 نائبا (المجلس يضم 128 نائبا) تطالب بسحب تكليف تشكيل الحكومة من سعد الحريري. وترافق طلب جميل السيّد بمثل هذه العريضة مع إعلان الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني أن إيران تمتلك أكثرية 74 نائبا في مجلس النواب اللبناني الجديد الذي انتخب في السادس من مايو الماضي.