Site icon IMLebanon

ترامب يُسلِّم سوريا الى بوتين

كتب جوني منير في صحيفة “الجمهورية”:

مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى بروكسل عشية انعقاد قمّة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) مدشّناً جولة أوروبية ستستمرّ لأكثر من أسبوع وستتوّجها القمّة الأميركية ـ الروسية، توجَّس الأوروبيون من هذه الجولة خصوصاً أنّ ترامب مهّد لها بمواقف مثيرة.

هو انتقد بعنف الحكومة الألمانية على اساس انها أسيرة لروسيا لشرائها الغاز من موسكو، كذلك «هجم» على اعضاء حلف «الناتو» طالباً منهم رفع نسبة مساهمتهم المالية، معتبراً انّ العبءَ الذي تتحمّله بلاده غير عادل.

في اختصار يدخل ترامب الى أوروبا في أجواء صدامية بعدما كان رفع الرسوم الجمركية على عدد من السلع المستوردة من اوروبا.

الاوساط الديبلوماسية الاميركية تصف مواقف ترامب وقراراته بالعادلة والمنصفة للولايات المتحدة الاميركية وانّ هذه القرارات تحاكي الشارع الاميركي الذي لا بد من أن يردّ التحية للحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية بعد أشهر معدودة.

لكنّ الاوساط الديبلوماسية الاوروبية تضع أبعاداً اخرى للسياسة التي ينتهجها ترامب تجاه اوروبا. وهي إذ لا تنفي الاستثمار الداخلي لهذه القرارات، إلّا انها ترى انها تأتي في ظرف اقتصادي صعب ودقيق تمرّ به أوروبا، والأهم قبل انعقاد القمّة الاميركية ـ الروسية، وفي خضمّ الاندفاعة الاميركية تجاه تشديد العقوبات على ايران بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي.

وخلال الاسابيع الماضية إرتفع منسوب التوتر بين الولايات المتحدة الاميركية واوروبا، ونقلت وسائل إعلام اميركية أنّ ترامب حاول تقديم إغراءات للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مقابل أن تخرج فرنسا من الاتحاد الاوروبي. واضافت صحيفة «الواشنطن بوست» أنّ تلويح ترامب بسحب القوات الاميركية من المانيا يأتي في السياق عينه، وربما للضغط على برلين قبل انعقاد قمة «الناتو».

اضف الى ذلك أنّ الحكومة الالمانية بدت أكثر الحكومات الاوروبية صلابة في تمسّكها بالاتفاق النووي مع ايران مخالِفة بذلك السياسة الاميركية،لا بل إنها بدت متمسّكة بعدم خسارة الاقتصاد الاوروبي، الذي يعاني من ازمات، السوق الإيرانية.

ووفق جردة سريعة يتبيّن مدى الضرر الفادح الذي سيلحق بالاقتصاد الاوروبي والذي اصبح مترابطاً، اذا ما انسحبت الدول الاوروبية من الاتفاق النووي، وفي عرض سريع يمكن إحصاءُ الآتي:

لذلك تبدو اوروبا متوجّسة وهي تترقب، كما الشرق الاوسط، نتائج القمّة الاميركية ـ الروسية في هلسنكي، والتي ستبحث في الشأن السوري وكذلك في الملف الايراني.

ويقول المبعوث الاميركي السابق الى الشرق الاوسط السفير دنيس روس خلال محاضرة له إنّ ترامب سيطلب من بوتين أن يلعب دوراً اساسياً بينه وبين ايران وأن تشكل موسكو قناة تواصل مفيدة لمصلحة واشنطن. وهو ما سيمنح الرئيس الروسي دوراً اكبر في الشرق الاوسط.

وصحيح أنّ الضغوط الاميركية على ايران لم تتوقف، لا بل إنها مرشحة لمزيد من التصعيد، لكن ما حصل حتى الآن لم يدفع طهران الى التراجع ولم يؤدِ الى النتائج المرجوّة.

ففي اليمن لم تحقق الحملة العسكرية على الحُدَيدة اهدافها المرسومة. فحتى المطار تفقّده الحوثي ووزع الصور من داخله على وسائل الإعلام، وبدا أنّ واشنطن تعمل بعيداً من الاضواء لدفع الاطراف الى مفاوضات سياسية تؤدّي في نهاية الامر الى تسوية من خلال دور محوَري لسلطنة عمان، ولو وفق التوازنات الميدانية الحالية.

وفي جنوب سوريا يكاد الجيش السوري ينهي بسط سيطرته على المنطقة بكاملها في وقت تستمرّ إسرائيل في الشكوى من وجود عناصر لـ»حزب الله» والإيرانيين في صفوف الجيش السوري ومموّهين بلباسه، بخلاف طلبها إبعاد ايران وحلفائها من خطوط الفصل وبعمق 40 كلم في حد أدنى.

وفي الامس زار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو موسكو من ضمن زيارات مستمرة ومتواصلة الى العاصمة الروسية. صحيح أنّ العلاقة الروسيىة ـ الاسرائيلية هي الافضل على الاطلاق في تاريخ علاقات البلدين، لكنّ اسرائيل قلقة من الحضور الإيراني في سوريا سواء مباشرة أو عبر «حزب الله».

لذلك استبق نتنياهو زيارته لموسكو بغارة جوية جديدة ضد قاعدة «تي. فور» الجوية والتي تستخدمها إيران. وقد يكون اراد بذلك توجيه رسالة استباقية مفادها مطالبة بوتين رسم خطوط ممرّ جديدة للإيرانيين في سوريا طالما أنّ موسكو لم تتجاوب مع مطلب إخراج إيران من كلِّ سوريا، ذلك انّ القيادة الروسية التي تحاذر التورّط في المستنقع السوري من خلال وحدات برّية، تدرك انّ مصالحها تلزمها بالتعاون البرّي مع إيران في سوريا لمواجهة ايّ تطوّر غير محسوب.

فسلاح الجو وحده لن يكون كافياً عندها. وفق هذه الصورة المعقدة والمبلدة والمتشابكة ستنعقد قمّة هلسنكي حيث تبدو روسيا صاحبة الكلمة الأقوى وهو ما عبّر عنه دنيس روس قائلاً: «لقد سلمت الادارة الاميركية سوريا الى الكرملين». في وقت بدأ الهمس حول توسيع دور تركيا شمال سوريا في مقابل اعادة العلاقات بين انقرة ودمشق.

وقد يكون الثمن الذي سيطلبه الرئيس الاميركي مساعدة بوتين له في تذليل العقبات امام طرح «صفقة العصر» والتي باتت تشكل عنواناً اساسياً في السياسة الخارجية لإدارة ترامب.

وفي دليل واضح على أن الإدارة الأميركية تتجه لتغليب المفاوضات الدبلوماسية على الخطوات العسكرية، باشر وزير الخارجية مايك بومبيو في ترتيب فريق مشهود له بكفايته في منطقة الشرق، وجاء في اقتراحاته في التعينات الجديدة ترشيح ديفيد هيل كنائب لوزير الخارجية للشؤون السياسية وهو الذي عمل كسفير لبلاده في لبنان والاردن ويعتبر خبيراً في الملف الفلسطيني، كذلك هناك اقتراح بتعيين ديفيد شنكر كمساعد للخارجية لشؤون الشرق الأدنى ويأتي خلفاً لديفيد ساترفيلد.