كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:
ثمّة أمر واحد مؤكّد في شأن مرسوم التجنيس المثير للجدل. خلافاً لكل التسريبات وبعض المغالطات، لم يُمنح أيٌّ من الواردة اسماؤهم في هذا المرسوم الأول من هذا النوع في العهد الحالي أيَّ إخراج قيد لبناني يعطي حامله كافة الحقوق التي يتمتع بها حامل الجنسية اللبنانية. أكثر من ذلك، تؤكّد مصادر رئاسة الجمهورية أنّ «مرسوماً آخر للتجنيس على الطريق».
كل ملفات المجنّسين هي في عهدة وزارة الداخلية، لكنّ دوائر وزارة الداخلية لم تنفّذ المرسوم بناءً على طلب رئاسة الجمهورية التمهّل في انتظار صدور نتائج الطعنين بالمرسوم اللذين قدمهما «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية»، وطريقة تعامل الرئيس ميشال عون مع التقرير الذي وضعه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بعهدته والمتعلّق بالتحقيق الذي طلبه من المديرية حول إحتمال تضمّن المرسوم أسماءَ مشبوهة أو صادر في حقها أحكام قضائية.
المطّلعون يشيرون الى أنّ قرار «مجلس الشورى» لن يطول كثيراً، وهو سيؤسّس للخطوة التالية لرئاسة الجمهورية التي تتكتّم بشدة على «مصير» تقرير الامن العام.
لكنّ مصادر موثوقة جداً قريبة من بعبدا، إطّلعت على مضمون التقرير، تركّز الأنظار على سلسلسة مغالطات أُحيطت بالملف وصولاً الى المهمة التي أوكلت الى الأمن العام. إذ تشير المصادر الى أن «لا شيء إسمه تقرير أمني طُلِب من الأمن العام رفعه الى رئيس الجمهورية. فبعد الضجّة التي أُثيرت حول المرسوم وتحوّلها قضية رأي عام، ولمزيد من الشفافية بعد صدور مرسوم نشأ صحيحاً بحكم الصلاحية التي منحها الدستور لرئيس الجمهورية بإصدار مراسيم تجنيس، طلبت رئاسة الجمهورية، عبر بيان، من الذين يملكون معلومات حول الاشخاص الذين جُنّسوا من غير استحقاق مراجعة مديرية الأمن العام. وبناءً عليه، إستجمعت المديرية المعلومات التي وصلت اليها بعد نشر المرسوم على موقع وزارة الداخلية، وتوسّع ضباط الأمن العام بالتحقيقات اللازمة في شأن أسماء قيل، أوتردّدت أخبار، عن أنّ عليها شبهات، وحتى اللواء ابراهيم تبرّأ من مسألة تسليمه تقريراً أمنياً شاملاً في هذا الشأن».
يذكر أنّ اللواء ابراهيم كان أعلن لـ «الجمهورية» أنه «سيدرس الملف بالتفصيل، وأنّ الأمن العام ليس بعيداً من هذه المهمة لأنه السلطة المكلّفة التثبّت من الأوراق وتلقّي المراجعات»، معتبراً أنه «منذ البداية كان يجب أن يمرّ هذا المرسوم عبر الأمن العام ليقوم بدوره على هذا الصعيد قبل إصداره»، فيما اعترف وزير الداخلية نهاد المشنوق بأنّ «التدقيق الرابع» كلّف به الأمن العام، مشيداً بالعمل المحترف الذي قام به لجهة التواصل مع سفارات دول العالم.
وقد تبيّن وفق ما جاء في «ملاحظات» الأمن العام، كما تسمّيها المصادر، أنّ الغالبية العظمى من الإشاعات أو الارتكابات أو الشبهات التي أُلصقت ببعض مَن مُنحوا الجنسية هي غير صحيحة»، مؤكّدةً «أنّ الملاحظات اقتصرت على بعض الأسماء التي لا تتجاوز أصابعَ اليد الواحدة، وقد تصل الى ثلاثة أو أربعة فقط، عليها شبهات مالية أو أمنية أو علامات إستفهام أو تعرّضت لملاحقات في بلدها الأصلي»، نافيةً أن يكون عددُ المشبوهين 85 إسماً كما تردّد.
وتوضح المصادر الموثوقة أنّ بين الأسماء المشبوهة، كما ورد في «الملاحظات»، مَن تمّ الاشارة الى «وضعها المشبوه» ليس بالأدلّة الثبوتية، ولكن نقلاً عن مصادر أخرى بعضها إعلامي كورود الإسم ضمن تقارير إخبارية عالمية، وبالتالي الأمن العام لم يقم بمسح أمني شامل سبق أن تمّ قبل صدور المرسوم («النشرة»، الانتربول، تقرير «فرع المعلومات»)…»
وتقول المصادر إنّ «القضاء الإداري، ممثلاً بمجلس شورى الدولة، وضع يده على المرسوم بحكم الطعنين المقدّمين، فلمَ الهلع؟ علماً أنّ هناك اجتهاداً إدارياً قضائياً ينكر على النائب الصفة أو المصلحة في التقدّم بمراجعة إبطال مرسوم لا علاقة له به مباشرة».
وفيما ترفض المصادر «توقّع» نتيجة الطعون إحتراماً لسلطة القضاء، تشير الى «أنّ الرئيس عون ومن ضمن شجاعته المعهودة، وفي حال رأى ذلك ضرورياً على ضوء ملاحظات الأمن العام، قد يبادر الى تصحيح المرسوم بحذف أسماء قليلة جداً منه في حال ثبت عدم أهليّتها لحمل الجنسية، وقد يرى أنّ «الشبهات» غير كافية لسحب الجنسية من مستحقيها خصوصاً أولئك ممّن يقدّمون خدمات جلّة للبنان!».
وأكثر من ذلك، تلفت المصادر الى «أنّ المرسوم الأول الذي صدر بعد نحو عام ونصف عام من العهد هو باكورة مراسيم أخرى ستصدر تدريجاً وتشمل كل مستحقّ جنسية».
وفيما يتوقع كثيرون أن لا يتمّ قبول الطعنين على قاعدة أنّ منح الجنسية هو حقّ دستوري حصري لرئيس الجمهورية، ولا يوجد متضرّر شخصي من مرسوم التجنيس تقدّم بالطعن، فإنّ مرجعاً رسمياً بارزاً يؤكّد أنّ المرسوم مصيره التنفيذ، وفي حال أخذ عون بنتائج التقرير الصادر عن الأمن العام يمكن أن تُسحب الجنسية من غير مستحقيها إذا ثبت ذلك، فالمرسوم لم ينفَّذ وبالتالي لم يرتّب أيّ نتائج قانونية على مَن شملهم.
ويؤكّد الوزير المشنوق لـ«الجمهورية»، من جانبه، «أنّ تكليف اللواء ابراهيم، وإن كان سياسياً بحكم إعتراض الفريق الشيعي على المرسوم، فإنه شكّل إضافة، خصوصاً بعد التقرير الذي كانت «شعبة المعلومات» أنجزته في مهلة قياسية».
ويقول: «أهم ما تمكّن منه ضباط المديرية هو إستغلال ما أتيح لهم من وقت للاتصال بكل الأمنيّين في سفارات بلدان طالبي الجنسية وحصولهم على أجوبة رسمية، لكن كل ما يتعلّق بالإدانات والنشرة الأمنية والإنتربول والأرشيف الخاص للمعلومات كان موجوداً في تقرير «شعبة المعلومات» وأنا فخور بما قاموا به».
ويردّ المشنوق على مَن يتحدّث عن «معايير» تمّ الإخلال بها من خلال منح الجنسية قائلاً: «عندما نشرت الأسماء على الموقع، أصررت على القول إنّ هذا المرسوم يتضمّن أسماء مشتبهاً بها، ومن ثم من قال إنّ الأسماء التي لا يجوز أن تمنح الجنسية موجودة في المرسوم». ويضيف: «أنا وصلتني أسماء من القصر الجمهوري ورئاسة الحكومة وأصدقاء ومعارف ومجنّسين محتملين، وجميع هذه الأسماء كتبت أولاً على الورق، وما تمّ تسريبه واحدة من الاوراق لا جزءاً من المرسوم».
ويؤكّد وزير الداخلية «أنّ مَن لديه شبهة لا يسقط عنه احتمال امتلاك الجنسية، يتمّ ذلك فقط في حالة الأحكام القضائية. فالشبهات يمكن أن تكون خاطئة أو صنيعة فبركات الغرف المغلقة»، مشيراً في هذا السياق الى أنّ «المرسوم الصادر يتضّمن ربما إسماً أو إثنين من الصادرة في حقهم أحكام قضائية (النشرة الحمراء)، وفي حال التأكد من ذلك تنزع عنهم الجنسية فوراً».
ويردّ المشنوق على مَن روّج لوجود مجموعة من الأثرياء السوريين القريبين من «النظام» وتمّ منحُهم الجنسية على هذا الاساس، فيقول: «لا وجود لما يُسمّى «أثرياء النظام». هناك بعض الأثرياء السوريين الذين لا علاقة لهم بالنظام وعمر ثرواتهم أكثر من 40 عاماً»، متسائلاً «ما المشكلة إذا إستثمروا في البلد. هم يحتاجون الى الجنسية لكي يتمكّنوا من إدارة أعمال البيزنس الخاص بهم في لبنان، مع العلم أنهم هم مَن ساهموا في إعمار لبنان تاريخياً مع جزء من أثرياء فلسطين وذلك قبل أن يدخل المال اللبناني والخليجي في عملية الإعمار، والمفارقة أنّ عدداً منهم يحمل جنسيات أجنبية كالبريطانية والكندية، وهذا ما يؤكّد أنّ طلبهم الاستحصال على الجنسية ليس لأسباب منفعية خاصة أو للحصول على إمتيازات». ويقول المشنوق «إنّ نسبة مَن قد يُحرمون الجنسية، في حال حصل ذلك، ستكون ضئيلة جداً مقارنة بعدد مستحقيها».