منذ إعلان انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة العمل بالعقوبات الأميركية على طهران في أيار الماضي، وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب القارة الأوروبية أمام خيارات صعبة، دافعًا شركاءه إلى رفع الصوت والتكتل في مواجهة إجراءاته التي بلغت حدّ توجيه إنذار نهائي لأعضاء حلف شمال الأطلسي، خلال القمة الأخيرة التي جمعتهم، في شأن مستوى إنفاق أعضاء الحلف على الدفاع (كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي).
وفيما يبحث القادة في “القارة العجوز” عن آليات رد على “نزوات” ترامب التي أدخلت دول أوروبا عمومًا في عنق الزجاجة، تقول مصادر دبلوماسية غربية لـ”المركزية” إن هؤلاء باتوا يخشون من أن تكون استراتيجية ترامب في هذه المرحلة ترتكز إلى إضعاف حلفائه لمصلحة التقرب من روسيا، وفق ما تبين من خلال تداعيات انسحابه من النووي اقتصاديًا وماليًا عليهم، وخاصةً بعدما هدد شركات فرنسية عملاقة في إيران بفرض العقوبات عليها إذا استمرت في العمل هناك، فلجأت إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مطالبةً بالتعويض على خسارتها في السوق السورية من خلال المشاركة في إعادة الاعمار.
وهذا الطرح معطوف على الانزعاج الأوروبي من سياسة ترامب سيحمله ماكرون إلى نظيره فلاديمير بوتين خلال لقاء – قمة يفترض أن يعقد بينهما بعد غد، على هامش زيارة ماكرون روسيا لحضور المباراة النهائية في كأس العالم التي تأهل إليها منتخب ليواجه المنتخب الكرواتي. فهل يشكل بوتين همزة الوصل بين واشنطن ودول أوروبا فيما يلعب ماكرون دور الوسيط بين واشنطن وطهران؟
تعتبر المصادر الدبلوماسية أن الرئيس الفرنسي يبذل جهدًا كبيرًا في اتجاه حمل إيران على تليين موقفها وكبحها عن المضي في تهديداتها لزيادة التخصيب ووقف البرنامج البالستي واحترام مضمون الاتفاق الموقع ليتمكن من لعب دور الوسيط بين الدولتين وتأمين ما يلزم من ضمانات لبقاء الشركات الأوروبية في إيران وعدم تعريضها للعقوبات، ذلك أن بعض المشاريع التي تستثمر فيها الشركات الأوروبية عمومًا والفرنسية خصوصًا في طهران، وخاصةً في المجال النفطي، لا تعوض على ما يقول القيمون عليها ومن بينهم رؤساء شركة “توتال” الفرنسية.
وتضيف المصادر أن عدم تطوير إيران قطاعها النفطي منذ انطلاق الثورة يشكل فرصة قيّمة بالنسبة للشركات الأوروبية ولطهران في آن، بحيث قد يكون إنعاش الاتفاق النووي ضرورة لإيران ومصلحة لأوروبا عمومًا، وفرنسا خصوصًا، التي تضغط في اتجاه الوصول إلى توافق دولي حول الملف النووي الإيراني لتضرب بذلك عصفوري المصالح الاقتصادية والحضور والدور السياسي الرائد بحجر الوساطة التي يقودها ماكرون، في موازاة تأمين مساحة لباريس في مشروع التسوية السياسية في سوريا تضمن لها الانخراط في مسار إعادة الإعمار عند انطلاقه وتفرض نفسها وسيطًا في الحل وشريكًا مع اللاعبين الأميركي والروسي عبر ورقة “النووي”.