كتبت جنى جبور في صحيفة “الجمهورية”:
تمرّ الساعات والأيام طويلة على الأهل عندما يغرق المريض في غيبوبة، دون أن يفقدوا الأمل في استيقاظه منها. وقد يتصوّرونه نائماً نوماً عميقاً لتسهيل هذه الحالة عليهم فيجلسون بقربه ويتحدّثون معه لعلّه يسمعهم. إلّا أنّ مجرد وجوده في غرفة العناية الفائقة يعرّضه لمضاعفات خطيرة. فهل يفيد التحدّث الى المريض في هذه الحالة؟ وهل تتأثّر ذاكرتُه بعد استيقاظه؟
بعد التعرض لحادث معيّن واصابة الرأس أو بمجرد وجود ايّ ورم في الدماغ، يزيد احتمال دخول المصاب في غيبوبة. وتكثر الأقاويل التي ترافق هذه الحالة الطبّية خصوصاً من قبل الأهل الذين يستنفدون كلّ طاقتهم خلال هذه الفترة دون أيّ نتيجة.
وبهدف نشر التوعية في هذا الاطار، حاورت «الجمهورية» الاختصاصي في جراحة الدماغ والأعصاب الدكتور جوزيف سلامة الذي استهلّ حديثه قائلاً: «نتكلّم عن الغيبوبة عندما يفقد الانسان التواصل مع الواقع والعالم الخارجي، بسبب توقّف مركز الوعي واليقين في دماغه عن القيام بوظيفته.
الّا أنّ للغيبوبة درجات تتراوح بين السطحية والمتوسطة والعميقة؛ فالغيبوبة السطحية تكون خفيفة، بمعنى أنّ المريض يحافظ في هذه الحالة على حواسه أو على بعضٍ منها ويبقى قادراً على التفاعل مع محاولات تحفيزه، وبالتالي يتفاعل مع محيطه ويسمع اهله. أما إذا كانت الغيبوبة عميقة أو أكثر حدّة فيفقد عندها أيَّ قدرة على التفاعل مع الألم أو مع أيِّ محاولة لتحفيزه وبالتالي لا يشعر بوجود أهله حوله».
أمل الاستيقاظ
يحتاج المريض خلال فترة الغيبوبة الى عدد من الآلات لمساعدته وتأمين سلامته، ورغم ذلك تواجهه مضاعفات قد تهدّد حياته. فعلى أيّ أساس يتمّ تحديد خطورة الوضع وما إذا كان المريض قابلاً للخروج من الغيبوبة؟ يجيب د. سلامة «عندما تطول مدّة الغيبوبة لأكثر من أسبوعين الى ثلاثة أسابيع، يتراجع احتمال استيقاظ المريض، ولدينا بعض المؤشرات الى هذا التحسّن، خصوصاً إذا تمكّن من فتح عينيه، وبات يتجاوب مع الوجع. كما توجد الحركة اللاإردية والاخرى الإرادية التي كلما أصبحت فعّالة اكثر، دلّت على تحسّن وضع المريض.
في المقابل، يمكننا أن ندرك أنّ حالته اصبحت خطيرة وبات من المستحيل طبّياً أن يشفى في حال طالت مدّة غيبوبته لأنّ وضعَه يكون قد اصبح بمثابة موت دماغي. من جهة اخرى، يتواجد المريض خلال الغيبوبة في العناية الفائقة، ويكون موصولاً الى عدد من الأنابيب في الفم والآلات كالتفس الاصطناعي، وآلة أخرى تحرّك العضلات للحدّ من الجلطات لا سيما على مستوى الرجلين، اضافةً الى آلة للقلب وغيرها بحسب كل حالة.
ورغم ذلك، يكون المريض معرّضاً الى عدد من المضاعفات كالالتهابات والجلطات اضافةً الى مشكلات أخرى على مستوى القلب والرئتين. وبالطبع عندما يكون لدينا أمل طبي بالشفاء، نكون حريصين على الانتباه ومعالجة كل هذه المضاعفات، حتّى يكون المريض جاهزاً عندما يعود دماغه الى وظيفته طبيعياً. كما يحصل المريض على غذائه في هذه الفترة من خلال انبوب في انفه موصول الى المعدة، واذا شعرنا أنّ فترة الغيبوبة ستطول فعندها نضع هذا الانبوب في المعدة مباشرةً».
الذاكرة
يلعب عمر المريض دوراً بردة فعل الجسم ومقاومته للغيبوبة ولآثارها، فمن الطبيعي أن يقاوم جسم الشاب بشكل أفضل مقارنةً بجسم مريض متقدّم في السن. وثمّة أشخاص يستيقظون ثم يعودون إلى الغيبوبة، وذلك نتيجة المضاعفات المرتبطة بوجودهم في غرفة العناية الفائقة، أو لأنّه لم تتم معالجة السبب الذي أدّى الى الغيبوبة.
ولكن في حال شفاء المريض، كيف يكون وضعه بعد الاستيقاظ؟ يوضح د. سلامة أنّه «بعد الاسيقاظ يفقد بعض المرضى ذاكرتهم القديمة، وبعضهم الآخر ذاكرتهم الحديثة، ولا تتذكر غالبية الحالات سبب دخولها في الغيبوبة وفترة الاستشفاء، مع المحافظة على الذكريات القديمة.
وبعد الاستيقاظ من الغيبوبة يبدأ وعي المريض بالتحسّن تدريجاً، ليبقى في الفترة الاولى في المستشفى في العناية الفائقة، بعدها ينقل الى غرفة عادية حيث يُخضع الى العلاج الفيزيائي والنطقي وغيرهما. وبعد خروجه من المستشفى يتوجّه الى مركز لإعادة التأهيل حيث يمكث الفترة التي يحتاجها بحسب حالته».
هل للأهل دور؟
صحيح أنه لا يوجد علاج معيّن للغيبوبة، ويقتصر عمل الفريق الطبي على تجهيز المريض ومعالجة المضاعفات الى حين اسيقاظه. فهل للأهل دور خلال هذه الفترة؟ يقول د. سلامة: «في الغيبوبة السطحية يلعب الاهل دوراً مهماً، فوجودهم الى جانب المريض اساسي لا سيما من ناحية التكلّم معه او جعله يستمع الى الموسيقى مثلاً.
ولكن في حال الغيبوبة المتقدّمة لا يوجد ايّ إثبات علمي أنّ وجودهم يمكن أن يفيد المريض. لذلك أنصح الاهل بضرورة التحلّي بالصبر، خصوصاً أننا نلاحظ دائماً أنّ المحيط يستنفد كل قواه في الفترة التي يكون فيها المريض في الغيبوبة، وعندما يشفى منها يكون كل مَن هم حوله قد انهاروا، في وقت يكون هو بحاجة لهم ولطاقتهم».