كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تعيش بيروت هذه الأيام ما يشبه «الانفصام»، في ظلّ ضخّ مناخاتٍ تفاؤل بقرب ولادة الحكومة الجديدة، مقابل وقائع على الأرض لا تشي بإمكان تحقيق اختراقاتٍ وشيكة في جدار التأليف الذي بدأت تعقيداتُه تدخل أكثر فأكثر في مدار الترتيبات الجديدة في المنطقة و«المُتوَقَّع» خارجياً من لبنان وحكومته العتيدة في ما خص العنوان الاقتصادي الشائك كما كيفية التعاطي مع «حقل الألغام» الإقليمي وبعض أزماته ولا سيما في اليمن حيث تَبرز عملية «مُراكمة» ديبلوماسية وسياسية خليجية تصاعُدية بإزاء وضع «الدولة» اللبنانية أمام مسؤولياتها حيال أدوار «حزب الله» فيه.
وبعد «جرعة» التفاؤل من رئيس البرلمان نبيه بري بأن «هناك حكومة قريباً»، لاقاه الرئيس المكلف سعد الحريري أمس وأمام وفد الهيئات الاقتصادية نفسه، معبّراً عن تفاؤله «بأن ولادة الحكومة ستكون قريبة جداً»، في حين تحدّث أحد النواب من فريق الرئيس العماد ميشال عون (ماريو عون) عن احتمال ولادة الحكومة «خلال أسبوع أو 10 أيام».
وفيما شكّل عدم انعقاد اللقاء الذي كان متوقَّعاً مساء الجمعة بين الحريري ورئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل مؤشراً لعدم تحقيق تقدُّم على صعيد كسْر حلقة المراوحة، فإن الدوائر السياسية ترى أن «ضخّ التفاؤل» مردّه إما الى رغبةٍ في «تقسيط» فترة انتظار «الانفراج» وملئها بوعود تُبقي على «الأمل»، وإما الى اقتناعٍ بأن مرحلة ما بعد انعقاد قمة فلاديمير بوتين ودونالد ترمب غداً، ستضع الجميع في الداخل أمام الواقع الجديد الذي ستؤسس له على صعيد المنطقة و«حرب النفوذ» فيها.
وتوقفت هذه الدوائر عند معطيات عكستْ ان تفكيك «حبْل التعقيدات» ما زال أمامه مسارٌ من الكباش الصعب وأبرزها:
كلام باسيل عن أن «الحكومة ستتشكل بمعالم معروفة لن يتغيّر منها أي شيء وستحترم إرادة الناس التي عبِّروا عنها في الانتخابات»، موضحاً «ان الطرق بين لبنان وسورية، سورية والعراق، وسورية والأردن ستفتح وسيعود لبنان إلى التنفس من خلال هذه الشرايين البرية كما ستعود الحياة السياسية بين سورية ولبنان» في إشارةٍ تشكّل، في رأي الدوائر السياسية، استكمالاً لمسار التفرُّد برسْم سياسات يفترض ان تحددها الحكومة، كما في ملف عودة النازحين، وهو ما يشي بأن حتى أجندة عمل الحكومة الجديدة وبيانها الوزاري صارت محور «ربْط نزاع».
تكرار المجتمع الدولي وجوب الإسراع بتشكيل الحكومة كشرط لبدء تسييل نتائج مؤتمرات الدعم ولا سيما «سيدر» بعد تطبيق الإصلاحات، وهو ما كرّره السفير الفرنسي برونو فوشيه، رابطاً زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون للبنان التي كانت مفترضة في ابريل بولادة الحكومة ولجنة المتابعة لمؤتمر «سيدر».
وإذ رفض فوشيه ما يقال عن أن الأكثرية في البرلمان باتت موالية لإيران «بل هي تتشكل وفقاً للمواضيع»، أطلّ على جانب بدأ يكثر الحديث عنه لجهة تحفظات خارجية عن تولي «حزب الله» حقيبة الصحة نظراً الى ارتباطها بالخارج، اذ قال رداً على إمكان تولي الحزب هذ الوزارة إنه «قال لنا إنه يرغب بحقيبة خدمات»، موضحاً أن السفيرة الأميركية إليزابيت ريتشارد «كانت واضحة قبل ايام بإشارتها إلى أن بلادها تتعاون مع لبنان في القطاع الصحي، وتعرفون الموقف الأميركي من حزب الله، وهم لن يكونوا حياديين».
وفيما كرر ان فرنسا تعتبر «حزب الله» أحد المكونات السياسية وتتعاطى معه كما سائر الافرقاء، خصوصاً انه ممثل في البرلمان والحكومة، سأل «ماذا يفعل الحزب في سورية والعراق واليمن ولمصلحة من يقحم لبنان في صراعات الخارج»؟
وفيما بدا كلام فوشيه الأخير امتداداً لـ «العين الخارجية» على الحكومة الجديدة وتوازناتها وسلوكها، تكتسب الزيارة التي بدأها مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين جابري انصاري لبيروت أهمية خاصة في غمرة اشتداد الضغوط الأميركية على طهران لاحتواء نفوذها في المنطقة وجعْل «حزب الله» على رأس «لائحة المطلوبين» أميركياً وخليجياً.