تحقيق رولان خاطر
“الوقت ليس مفتوحاً إلى ما شاء الله، يقول رئيس الجمهورية. وتقول “الأخبار” في عددها الثلثاء 17 تموز 2018 أمام عون خيارات مفتوحة يفضّل ألّا يتحدّث عنها. بعضها مرتبط بصلاحياته الدستورية، والبعض الآخر بدوره كرئيس للدولة”.
يتفق خبراء القانون والدستور على أن لا مادة في القانون تلحظ إمكانية إجبار الرئيس المكلف على الاعتذار أو حتى سحب التكليف منه. لكن، ما سرّ التلويح من قبل فريق معيّن بسحب الاعتذار من الرئيس سعد الحريري إن عبر عريضة نيابية موقعة من 65 نائباً، أو عبر اجتهاد مفاده بأن التكليف شفهي، وبالتالي لا يمكن بناء وضع دستوري وقانوني ثابت على تكليف شفهي.
مسألة عدم تقييد الرئيس المكلّف تاريخياً!
لرئيس الحكومة المكلف مصلحة بأن يصبح رئيساً مكتمل الصلاحيات لكي يستطيع ان يمارس مهامه وصلاحياته. إلا أنّ عدم تحديد مهلة للرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، يعود إلى مناقشات الطائف، حيث كان هناك إصرار من قبل الفريق السنّي على عدم تقييد رئيس الحكومة المكلف بأي مهلة لتشكيل الحكومة، صوناً لصلاحياته وصلاحية الطائفة السُنيّة، وذلك استنادا الى تجربة جرت مع الرئيس الراحل شارل حلو كما قيل. كي لا يكون رئيس الحكومة المكلف مرهوناً برئيس الجمهورية، ولا يقوم هذا الأخير بوضع العراقيل له وتنحيته في وقت لاحق.
فتجربة الرئيس شارل حلو بالنسبة لفريق الطائف، (استندوا اليها ضمنيا وليس علنياً) أنه عندما تم اتهام الرئيس الراحل رشيد كرامي بانه بقي 7 اشهر كي يؤلف الحكومة، بيّنت الوثائق التاريخية، وخصوصاً من قبل من أحاطوا الرئيس حلو، أنه هو من كان يعرقل تأليف حكومة رشيد كرامي كي يبقي يده على كل السلطة التنفيذية.
على ماذا يستند دعاة اسقاط الحريري؟
فيما توافق الخبراء الدستوريون على أن لا قانون ولا اجتهاد يسمح بإسقاط التكليف عن الرئيس سعد الحريري أو عن أي رئيس حكومة مكلّف، يؤكد رئيس منظمة “جوستيسيا” الحقوقية المحامي بول مرقص لـIMLebanon أنه ليس هنالك ما يسمّى سحب التكليف من رئيس الحكومة المكلّف، فجُلّ ما يمكن لرئيس الجمهورية أن يفعله، وهذا قد يسبب ازمة سياسية في البلاد، ان يدعو الرئيس المكلف الى القصر الرئاسي ويطلب منه تقديم اقتراح تشكيلة حكومية تصبو الى نيل الاكثرية وليس اجماعا او شبه اجماع، أو الاعتذار، لكن لا يمكن الزام رئيس الحكومة المكلّف بالاعتذار.
أما دعاة سحب التكليف، فواضح أنهم يستندون إلى نظرية دستورية، وردت في كتاب “حارس الجمهورية” في الصفحة 362، حيث يتناول المرجع الدستوري حسن الرفاعي، الفقرة 4 من المادة 53 من الدستور، ويقول: “… وبشأن النقاشات لضرورة تقييد رئيس الحكومة المكلف بمهلة للتأليف، يمكن للنواب ان يقدموا عريضة إلى رئيس الجمهورية لسحب “التفويض” من الرئيس المكلف في أي وقت من الأوقات ولا حاجة لنص دستوري ينص على مهلة. أما اذا كان المجلس ما زال بغالبيته مع إعطاء مزيد من الوقت للرئيس الذي سمّاه، فلا يمكن مخالفة رأي غالبية هذا المجلس ما دامت الاستشارات ملزِمة بنتائجها”.
الرفاعي يؤكد لـIMLebanon أن ما اقترحه هو من باب الحل، من الناحية النظرية الدستورية، وتبقى نظرية، في ظل عدم وجود قانون واضح يسمح بإسقاط تكليف الرئيس المكلف. أما الآلية لنظريته، فتكمن بوجود 65 نائباً “جديين” يوقعون عريضة سحب الثقة من الرئيس المكلّف.
تداعيات إسقاط التكليف!
الحديث عن ان التكليف شفهي، وهو لم ولن يصدر بمرسوم، وبالتالي لا يمكن بناء وضع دستوري وقانوني ثابت على تكليف شفهي، لا معنى له قانونياً وميثاقياً. فعمليا من كتب على طريق بعبدا “يكون الميثاق او لا يكون لبنان” في اشارة الى المرشح لرئاسة الجمهورية وقتذاك العماد ميشال عون الذي اعتبر نفسه الاقوى مسيحيا وبالتالي لا يجوز انتخاب سواه من بين المسيحيين، لا يمكن له القول لأي مواطن لبناني أو سُنّي أنه يريد إسقاط ميثاقية سعد الحريري، والمجيء بشخص لا يمثل إرادة السُنّة، عندئذ “سنعيد النظر برئيس الجمهورية وبالشارع إذا تطلّب الأمر”، كما يقول مرجع سياسي سنّي رفيع، مستذكراً مشهد إسقاط حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي في الـ2004.
فانقلاب الأكثرية، في الأجواء الراهنة، دولياً وإقليمياً وحتى محلياً لا تبشّر بخير لمسيرة العهد، والمجيء بشخصية لا تمثل المكوّن السُنّي قد تأتي بنتائج عكسية لا يتحمل لبنان تداعياتها. كما أن من أولى مظاهر هذه السلبية سيكون سقوط “التسوية”.
رأي القوى السنيّة!
رأي القوى السنّية منذ الطائف إلى اليوم واضح لجهة حماية صلاحيات رئيس الحكومة، لأن ذلك أساسا لتأمين التوازن داخل اللعبة السياسية في لبنان. اجتماع رؤساء الحكومات السابقين في بيت الوسط منذ فترة تأييدا لرئيس الحكومة المكلف، وموقف دار الفتوى الواضح في هذا الإطار، يؤكد أن أحداً لن يستطيع أخذ توقيع هذه القوى، ولو انها في فريق مناوئ للرئيس الحريري.
موقف الرئيس نجيب ميقاتي، عبّر عنه بوضوح مستشاره خلدون الشريف الذي أكد لـIMLebanon أن الدستور واضح واحترامه واجب، وفي الدستور لا مهل قانونية تقيد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، علماً أن العديد من الحكومات سابقاً اخذت وقتاً أكثر بكثير من اليوم كي تشكلت. وبالتالي أي حديث عن سحب التكليف يتطلب تعديلا دستورياً وهذا يتطلب توافقاً سياسياً كبيراً، علماً ان تكليف رئيس الحكومة هو تكليف نيابي وليس تكليفاً رئاسياً.
وبرأي الشريف أن تشكيل الحكومة لم يعد طويلا، كاشفاً لموقعنا أن الطبخة الحكومية أصبحت شبه جاهزة، فأجواء الرئيس سعد الحريري ايجابية، وكذلك أجواء عين التينة أخيراً، يبقى معرفة أجواء قصر بعبدا.
أما موقف اللواء أشرف ريفي، فكان اول من ردّ على ما نقلته صحيفة “الأخبار” عن رئيس الجمهورية، قائلاً عبر “تويتر”: الرئيس عون ضد أسلوب التلميح ويرفض أن يُعلن موقفه عبر تسريبات إعلامية، فهل ما صدر نقلاً عنه في “الأخبار” دقيق؟ إذا كان كذلك فهو يمسّ الدستور ويعتدي على صلاحية الرئيس المكلَّف والمهلة المفتوحة للتشكيل التي لا اجتهاد فيها. حذارِ المسّ بالدستور والطائف وبصلاحيات رئيس الحكومة”.