كتب جوزف طوق في صحيفة “الجمهورية”:
بكل عرس لبنان إلو قرص، وحتى في مونديال روسيا 2018، وعلى رغم أنه لم يشارك بمنتخب وطني، إلّا أنه كان الفائز الأكبر في هذه المسابقة. صحيح أنّ فرنسا فازت بكأس العالم وكرواتيا فازت بقلوب العالم، لكنّ لبنان فاز بأفضل مسؤولين في العالم.
فقد روى شاهد عيان أنه في ليلة المباراة النهائية في كأس العالم، رأى المسؤولين اللبنانيين يتابعون المباراة مجتمعين، وأكّد أنه لحظة التتويج إغرورقت أعينهم بالدموع وأجهشوا بالبكاء على المشهد الحضاري الذي قدّمته رئيسة جمهورية كرواتيا كوليندا كيتاروفيتش في تعاطيها مع خسارة لاعبي بلادها، وتأثّروا أكثر بالإنجاز الذي حقّقه منتخب كرواتيا، تلك الدولة التي تشبه لبنان بشكل اقتصادها وعدد سكّانها وطبيعتها وتاريخها. وكشف شاهد العيان أنّ المسؤولين اللبنانيين أمسكوا بأيدي بعضهم البعض ووقفوا بشكل حلقة، وأقسموا بشرف الكشّاف أن يتخلّوا عن ممتلكاتهم ومحسوبيّاتهم وصفقاتهم، ويبذلوا كلّ ما في وسعهم ليكون منتخب لبنان مكان الكرواتي في مونديال 2022، وليكونوا هم أنفسهم وأخبارهم الشغل الشاغل للسوشل ميديا مثلما كانت رئيسة كرواتيا.
صحيح أنّ كرواتيا أخذت استقلالها عام 1991، يعني بالتزامن مع انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وبعد 27 سنة ليس هناك أيُّ فارق بين الدولتين باستثناء الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام العالمية عن البلدين، فنحن روّاد الكوكب بالفساد والتلوّث والتخلّف والإنحطاط، وهم شعلة أمل للبشرية بتفانيهم وإنجازاتهم وإصرارهم على التقدّم… هم ينافسون على كأس العالم في كرة القدم، ونحن لا نستطيع إكمال مباراة ودّية بين فريقين في ملعب بلدي حشيشه بنّي.
كرواتيا ليست جنّة على الأرض ولا شعبها من جنس الملائكة، وغالبية الأخبار التي تمّ تداولها في الفترة الأخيرة عن طهارة الدولة ليست صحيحة… فكرواتيا تغرق في الفساد الاقتصادي، ولكنها مع ذلك تبقى واحدة من أفضل الوجهات السياحية في العالم.
كرواتيا تغرق في الفساد البيروقراطي والحزبي، ولكنها تحافظ على بيئتها النظيفة وتبقي شطآنها الأجمل في أوروبا.
كرواتيا تغرق في الفساد السياسي، ولكنّ رئيس حكومتها السابق، والذي هو في نفس الوقت رئيس الاتحاد الديموقراطي الكرواتي أكبر حزب في كرواتيا والذي سيطر على حكم البلاد في آخر 20 سنة، موجود الآن في السجن وتتمّ محاكمته على جرائم فساد ورشوة.
كان من المفروض أن تكون هذه مجرّد مسابقة رياضية، نشاهد فيها مباريات ونتابع لاعبين، نتحمّس، نفرح، نحزن، نربح، نخسر، ومن ثم تنتهي وننسى كل شيء… يمكن هذا هو الحال بالنسبة إلى كل دول العالم وشعوبها، لكن بالنسبة إلى اللبناني كان مونديال 2018 لحظة وجودية تأمّلنا فيها ناساً يشبهوننا ينافسون على بطولة العالم في كرة القدم، بدل أن ينافسوا مثلنا على أسوأ المراكز في كل شيء.
كان من المفروض أن نفرح لفوز فريق ونحزن لخسارة آخر، ولكن وجدنا أنفسنا نندب حظّنا على هذا البلد الذي نعيش فيه، وننتف شعرنا على إنجازات مسؤولينا.
لو كان الأمر بعدد السكّان لكانت الصين بطلة العالم في كلّ شيء، ولو كان الأمر بالتحضّر والإزدهار لكانت ايسلندا اكتسحت بطولات العالم، لكن يبدو أنها مسألة إرادة فقط.
الحمار بيفوت بالحيط مرّة وحدة ولكن يبدو أننا شعب يهوى الحيطان، ومع كل أوجه الشبه بيننا وبين كرواتيا، إلّا أنّ الفارق الوحيد الجوهري هو وجود شعب بإرادة في دولة ومسؤولين يسلبون الناس إرادتهم في الثانية… صار لازم نغيّر شي غير راس الأرغيلة.