كتبت آمال خليل في “الأخبار”:
بحر العيد في صيدا صار جزءاً من الذاكرة. في إطار تجميل الواجهة البحرية قبالة ميناء الصيادين، أزيلت الأراجيح والألعاب، وتستحدث خيمة تنظم تحتها الأنشطة وسط مساحة خضراء ومضاءة. لكن من يفترض أن يستفيدوا من المشروع يشككون في مساره وغاياته، فيما مصير تعويضات المتضررين مجهولة
هدأ بحر العيد في صيدا للمرة الأولى في عيد الفطر الأخير. عيد الأضحى الفائت في أيلول الماضي، شهد للمرة الأخيرة صراخ وضكات أطفال صيدا القديمة ورقص «الدويخات» والأراجيح مع الريح في الساحة التي حملت اسم العيد قبالة ميناء الصيادين. مطلع العام الجاري، انطلقت الأشغال لتأهيل المساحة الممتدة من حدود نقابة الصيادين إلى خان الإفرنج ضمن مشروع تأهيل الواجهة البحرية الذي نفذ على مراحل، منذ ما بعد الإجتياح الإسرائيلي للمدينة عام 1982.
قبل نحو شهر، أوضح رئيس البلدية محمد السعودي أن المشروع الجاري حالياً «تأهيلي وتجميلي يستهدف المنطقة الممتدة من حدود حديقة زايد آل نهيان في جوار مدرسة المقاصد الى مدخل السوق مقابل القلعة البحرية، ما يشمل ضمناً ساحة بحر العيد ومحالّ ومقاهي عدة على طول الواجهة». أساساً، البلدية هي صاحبة المشروع ومن كان سينفذه، قبل أن يفاجأ الصيداويون بأن الجهة المنفّذة جمعية محلية ناشئة تدعى «مرصد صيدا للأثر الإجتماعي» تترأسها علا الحريري ابنة النائبة بهية الحريري.
المشروع «شراكة بين المجتمع المحلي والبلدية»، بحسب إيهاب الظريف، مهندس المشروع المكلف من «المرصد». ويوضح أنه ينقسم إلى مرحلتين: الأولى الجارية حالياً تشمل صبّ الساحة الممتدة من حدود نقابة الصيادين إلى خان الإفرنج بالإسمنت وتثبيت أعمدة خراسانية في جزء من الساحة لرفع خيمة مسقوفة وإنشاء أحواض للزهور والشجر في الزوايا».
«مرصد صيدا» مسؤول عن تنفيذ هذه المرحلة، وعند إنجازها يسلم المشروع، وفق الظريف، إلى البلدية لتنفيذ المرحلة الثانية التي تشمل الإضاءة والزراعة ورصف الأرضية بالبلاط. ماذا عن وجهة الإستخدام؟. يؤكد أن الساحة ستبقى حيّزاً عاماً لن يغلق، في إشارة إلى حديقة زايد بن نهيان العامة، لكن المغلقة، التي أقيمت فوق عقار شاغر ومهمل. يستطرد: «لا يمكن إقفال الساحة لأنها ممر نحو أحياء صيدا القديمة. أما بحر العيد، فلن يعود بحلته السابقة. سيُسمح لأصحاب «الدويخات» والألعاب بنصبها في أيام عيدي الفطر والأضحى فقط. وستقام أنشطة مختلفة تحت الخيمة على مدار العام».
بحسب السعودي، تبلغ كلفة المشروع 250 ألف دولار. الجزء الذي ينفذه «المرصد»، وفق الظريف، تموّله شركتا الهاتف الخلوي «ألفا» و«تاتش» وصندوق الأمم المتحدة للسكان. ورغم أن التمويل مؤمن، بدا لافتاً على موقع «المرصد» على الإنترنت إطلاق حملة جمع تبرعات لدعم مشاريعه الثلاثة!. وحددت قيمة كل مشروع بـ 15 الف دولار.
غموض التعويضات
الأشغال الجارية في جزء من الواجهة البحرية، تشكل استكمالاً لمشروع تأهيلها الذي بدأ إثر اجتياح العام 1982 عندما تم شق الطريق. حينها، دمر القصف الإسرائيلي بعض البيوت المقابلة للميناء، وأكملت «مؤسسة الحريري» هدم ما تبقى منها ومن المحال والورش القائمة لشق الطريق البحرية.
نهاية العام الماضي، دعت علا الحريري أصحاب المحال والبيوت الواقعة ضمن حرم مشروع بحر العيد إلى اجتماع لوضعهم في الأجواء. تعهدت بأن «الأشغال ستكون منجزة مطلع الصيف الحالي وأن كل ذي حق سيحصل على تعويض للإخلاء» بحسب بعض من حضروا الاجتماع. لكن الأشغال لم تنجز، فيما مصير التعويضات معلق.
«ما يحصل الآن ذكرنا بأيام الإجتياح»، يقول خالد جمعة الذي يملك محلاً في مبنى نقابة الصيادين. المبنى سيزال ضمن المشروع وينقل إلى داخل حرم الميناء في المقلب الآخر من الطريق. ويشير الى أن النقابة منقسمة بين مؤيد ورافض لهدم المبنى. جزء من أسباب الرفض غموض مصير المحال المستأجرة الواقعة في الطبقة السفلية. جمعة واحد منه هؤلاء. عام 1963، دفع للنقابة 20 ألف ليرة بدل خلو. يتساءل، في حال أزيل المبنى عن مصيره، ومصير العمال الثلاثة الذين يعملون لديه. حتى الآن، لم يتلق إجابة عن استفساره: «هل سنحصل على تعويضات مقابل الإخلاء؟».
رحلة جاره حسن الطبش مع المجهول بدأت مع انطلاق الأشغال. يملك الأخير ورشة لتصليح السيارات وسط المشروع اضطر لإقفالها لأن السيارات لم تعد قادرة على الوصول بعد تسييج حرمه بالأسلاك الشائكة وجرف المحيط واستحداث ركائز الإسمنت. بعد تأخر الأشغال، قصد بلدية صيدا حيث رفع شكوى لرفع الضرر عنه. نقل الطبش عن المسؤولين في البلدية قولهم «إنني لا أستحق أي تعويض لأنني مخالف ومحلي مشاد في ملك عام». الحال نفسه ينطبق على الشقيقين أحمد وحسن بيومي، صاحبي ورشة نجارة. يقران بأنهما استحدثا «قن الدجاج هذا (في إشارة إلى صغر حجم المحل) بجوار المنزل ليحصلا رزقهما». خوفهما على مصير عائلتيهما دفعهما إلى الإقتراح على أصحاب المشروع بتغيير وجهة استخدام المحل من النجارة إلى مقهى ينسجم مع الشكل الجديد للواجهة، «ووعدوا بأن يفكروا بالأمر».
في هذا الإطار، أوضح رئيس بلدية صيدا السابق عبد الرحمن البزري لـ«الأخبار» أن أصحاب البيوت، بعد عام 1982، حصلوا على تعويضات عن منشآتهم، لكنهم لم يحصلوا على تعويضات عن الأرض التي يملكونها. ولفت إلى أن البلدية التي ترأسها أثارت موضوع التعويضات عام 2009 عند إعلان الرئيس سعد الحريري نيته تقديم هبة لاستكمال المشروع المؤجل: «اقترحت على رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة التعويض على مالكي العقارات وأصحاب المنشآت القائمة لقاء إزالتها فوافق، وأوعز إلى الهيئة العليا للإغاثة بمسح المحتويات ورصد مبلغ للتعويض. وبالفعل، خمّنت الهيئة قيمة التعويضات، لكن صرف الأموال جُمّد بصرف النظر عن الهبة». بعد تحريك المشروع مؤخراً من مصادر تمويل أخرى، استدعت البلدية بعض المالكين القانونيين للبيوت والعقارات، وعرضت عليهم التعويض. لكن قيمة التعويض الجديدة «أقل من السعر المستحق، لأن سعر متر الأرض هناك لا يقل عن 3 آلاف دولار»، بجسب البزري. علماً أن «من حق المتضررين مالكي وشاغلي العقارات إقامة دعوة عند قاضي الأمور المستعجلة بوقف الأعمال خصوصاً أنها تتم بصورة غير قانونية بعيداً عن الشفافية ومن دون مراعاة لمصلحتهم».