كتب رامح حمية في “الأخبار”:
إلى حين عودة قطار عملية ضم الأراضي وفرزها في بعلبك ـــ الهرمل إلى سكة التنفيذ، ستبقى تلك «البلاد» تعاني من تفاقم النزاعات والتعديات، إلى حين تحقق الحلم بدولة تهتم بمواطنيها وتعالج اسباب مشاكلهم، بدل محاسبتهم على نتائجها
في وسط بلدة يونين، إحدى أكبر قرى البقاع الشمالي، «كومة أحجار حكومية» نقلت إلى البلدة إيذاناً بانطلاق أعمال المرحلة الأولى من عملية ضم الأراضي وفرزها قبل 16 عاماً. الأعشاب التي نبتت بين أحجار «الكومة» تشهد على توقف الأعمال منذذاك، رغم رصد عشرين مليار ليرة موازنة للمرحلة الأولى من عملية الضم والفرز في القاع (الرجم) ــــ الهرمل ويونين، ومباشرة 12 شركة عملية المسح الفني، وتعيين القاضيين هنري خوري وعمر حمزة رئيسي لجنتين للاشراف على العملية.
في منطقة يُعلي أهلها الأرض الى مرتبة «العِرض»، قد يؤدي الخلاف على التقسيمات العقارية في أحيان كثيرة الى إسالة الدماء. لا بل إن النزاعات والخلافات والمخالفات والدعوى القضائية تعصف بغالبية بلدات المنطقة وقراها، سواء بين أبناء البلدة الواحدة، أو بين أبناء القرى المتجاورة، على عقارات غير مفرزة، وأعمال فرز غير مكتملة، ووضع اليد على عقارات للدولة، وعلى مشاعات البلديات، وعلى ملكيات خاصة، من دون حسيب أو رقيب.
يشدد المحامي حيدر غصن، ابن يونين الموزّعة أراضيها بالقيراط (وحدة قياس مساحة معتمدة من أيام الدولة العثمانية، تقسم مساحة العقار على العدد الإجمالي لمساحة القرية او البلدة بالقيراط المحدد فيها حسب سجلات الدولة)، على أن تقصير الدولة في إتمام الضم والفرز ألحق أضرارا بمصالح أبناء المنطقة، وأدى إلى ظهور تعديات على شكل إشغال وأعمال بناء، ونزاعات على بيوعات تحصل لأراض يملكها عدد كبير من الورثة، واختلاف بين الورثة حول حجم حصة كل منهم وموقعها، وما ينتج عن ذلك من صدامات وشكاوى تنتظر البت فيها منذ سنوات. ويلفت الى أن من أكثر المشاكل شيوعاً هو انه في العقارات التي يملكها عدد كبير من الورثة، «لا إمكانية من الناحية القانونية للحصول على إفادة عقارية لإثبات الملكية أو حتى تنظيم عقد إيجار أو تحصيل رخصة بناء». وفي حال تمكّن أحد الورثة، بطريقة ما، من الحصول على رخصة لبناء منزل مثلاً، يكون ذلك «مخالفاً للقانون، مع ما يستتبعه من عدم قدرته على الحصول على اشتراك للكهرباء أو المياه وغيرهما من الخدمات الأساسية. وهذا ما يزيد من التعديات على الشبكتين». ناهيك عن المشاكل التي تواجهها البلديات في حال أرادت شق طرق واستملاك أراض لعدم وجود إفادات عقارية وسندات تمليك.
في بلدة القاع، عند حدود البقاع الشمالي مع سوريا، تتخذ المشاكل العقارية منحى صدامياً، ليس بين أبناء البلدة الواحدة، وإنما بين القاعيين من جهة وأبناء القرى المجاورة كعرسال، خصوصاً في المنطقة التي تعرف بـ «مشاريع القاع». يراهن القاعيون على مشروع الضم والفرز لحلّ مشاكلهم المزمنة في ملكيتهم للأرض التي مسحت وتم تحديدها وتحريرها منذ العام 1938 بهدف تحديد حصصهم.
وتقسم أراضي القاع إلى أربع مناطق عقارية: «البنجكية»، وهي المنطقة الوحيدة المفرزة ومساحتها أكثر من 11 ألف دونم، في حين أن المناطق الثلاث الباقية غير مفرزة، وهي «جوار مائي» (24 ألف دونم)، و«وادي الخنزير» (65 ألف دونم)، و«بعيون» (73 ألف دونم).
ورغم أن تصنيف المجلس الأعلى للتنظيم المدني اراضي القاع «زراعية»، إلا أن واقع التعديات في مشاريع القاع «حوّلها إلى صناعية وتجارية بفعل وضع اليد وعمليات البيع للأراضي منتصف سبعينيات القرن الماضي، وما تلاها من صدامات أدّت الى إزهاق أرواح نتيجة النزاعات على الأراضي بين المالكين وواضعي اليد عليها» بحسب رئيس بلدية القاع بشير مطر. يؤكد مطر لـ«الأخبار» أن التأخير والمماطلة في تنفيذ مشروع الضم والفرز «سيؤدي إلى فقدان القاعيين لأراضيهم وزيادة المخالفات والإشكالات القانونية والطائفية والمناطقية، وما ينتج عن ذلك من توترات واضطرابات خطيرة. وفي حال لم تسع الدولة للحل، فستكون هي المسؤولة عن الصدامات التي قد تحصل، خصوصاً أن أرض القاع ليست سائبة». ويشكو مطر من «تراخي القضاء» والحكم على اساس ان الارض غير ممسوحة، «وهذا خطأ كبير. فالارض ممسوحة، وكيف لغير ذي صفة وغير مالك للارض ان يحصل على حكم؟».
معوقات سياسية
ما هي المعوقات التي فرضت إيقاف عملية الضم والفرز؟ ينفي مطر معرفته بالمعوقات الفعلية، مشيراً الى أن الفنيين يعزونها إلى «كثرة الإشغال والتغييرات التي طرأت والأموال التي لا بد من زيادتها». لكنه يرى أن للمعوقات «جانباً سياسياً»، إذ أن «البعض في مشاريع القاع ستتقلص ملكيته الى النصف».
في شباط 2017، اطلق وزير العدل سليم جريصاتي، في مؤتمر خاص ببلدات البقاع الشمالي الحدودية، تقضي بالشروع في أعمال الفرز وتكليف الجيش وضع حد للمخالفات في مشاريع القاع وتأليف لجنة مشتركة تضم أصحاب الحقوق من غير واضعي اليد على عقاراتهم وبين المالكين من أصحاب الحقوق الواضعي اليد على العقارات بما يزيد عن حصة ملكيتهم فيها، مع وضع مرسوم الضم والفرز على الصحائف العينية، ومكننة الصحائف العينية، وعدم تسجيل وزارة المالية لبيع الحصص بدون إفادة محتويات من البلدية، والإيعاز لكتاب العدل بعدم إجراء أي تصرف قانوني بالعقارات الممسوحة إلا بعد التدقيق في سندات الملكية. إلا أن هذه الخطة لم تر النور حتى اليوم.
وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن ملف الضم والفرز في بعلبك ــــ الهرمل نوقش أخيراً في مجلس شورى حزب الله، وقد «أعطيت الموافقة على إعطائه الأولوية بين الملفات التي سلمت لتكتل بعلبك ـــ الهرمل». وفي المعلومات أن النائب ايهاب حمادة كُلف تولي هذا الملف ومتابعته «بغية معالجته وإنهاء الخلافات والنزاعات الإجتماعية وتعزيز القدرات الإقتصادية والإستثمارية والسياحية في المنطقة» كما أكد حماده لـ«الأخبار». ولفت إلى أن مشروع الضم والفرز قد يحتاج، للشروع بالعمل فيه، إلى مشاريع قوانين واستثناءات، «لاستعمالها مرة واحدة بهدف الوصول إلى معالجة سريعة ودقيقة للملف».