إذا كانت الطائفة الشيعية اجتازت استحقاق الانتخابات النيابية بهدوء وتماسك، ولم يحصل داخلها أي احتكاك أو مشكلة في ظل اتفاق تقاسم المقاعد بين حركة «أمل» وحزب الله، فإنها تشهد بعد الانتخابات اهتزازات داخلية، النائب جميل السيد طرف فيها أو متسبب فيها، والمفارقة أن السيد هو النائب الوحيد الذي لا ينتمي الى عملية التقاسم مناصفة (١٣ لـ«أمل» و١٣ لحزب الله، والسيد هو النائب الـ ٢٧).
إذا كانت مجمل الطوائف الأخرى، المسيحية والسنية والدرزية، شهدت إبان معركة الانتخابات توترات ومناكفات ما زالت مستمرة من خلال معركة الحكومة سنيا (بين الحريري وسنة ٨ آذار)، ودرزيا (بين جنبلاط وارسلان)، ومسيحيا (بين التيار والقوات)… فإن الطائفة الشيعية التحقت حديثا بهذا المناخ في «حرب التغريدات والسجالات» الناشبة بين الرئيس نبيه بري عبر نوابه وحركة «أمل»، وبين النائب جميل السيد الذي نجح في اختراق المشهد الشيعي السياسي، وفي تحويل الأنظار جزئيا الى الساحة الشيعية، كاشفا عما يدور ويتفاعل في داخلها. وهذه المواجهة الكلامية الدائرة بين السيد وبري تذكر بمواجهة مماثلة حصلت بين باسيل وبري قبل الانتخابات، وفي الحالين طلب بري اعتذارا عن الإساءات التي صدرت وينتظر اعتذارا من النائب السيد وليس واردا عنده التجاوب مع ما طلبه الأخير لجهة طرد أحد مسؤولي الحركة من بيته لأنه يقف وراء تغذية الفتنة والحملة العنيفة ضد السيد على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه المشكلة المستجدة بين بري والسيد ليست بنت ساعتها، وإنما هي نتاج تراكمات وحساسيات سياسية أبرزها حسب صحيفة “الانباء” الكويتية:
– الاتهام الموجه الى السيد بأن لديه طموحا للحلول محل بري في رئاسة المجلس النيابي، وهذا كان الهدف الفعلي لترشحه ووصوله الى البرلمان وجلوسه على مقاعد الاحتياط لرئاسة مجلس النواب.
– الكلام المتداول عن علاقة بري مع القيادة السورية، وعن وجود جفاء وعدم تواصل نتيجة مواقف بري إبان الحرب السورية التي لم تكن في المستوى المنتظر من قبل النظام، إن لجهة انقطاعه عن زيارة دمشق، أو لجهة رفضه إيفاد مقاتلين من حركة «أمل» حتى في معركة حلب.
وفي حين تشكو علاقة بري مع دمشق من فتور، فإن علاقة السيد خصوصا مع الرئيس بشار الأسد في أفضل حال.
ولأن الاشتباك هو على هذه الدرجة من الحساسية وتتداخل فيه الاعتبارات الشخصية والسياسية، ولأن تداعيات هذا الاشتباك بدأت تؤثر على استقرار الطائفة الشيعية السياسي والمناطقي والمجتمعي مع بروز هذا التقسيم الجديد بين جنوب وبقاع، وبين شيعة دولة وشيعة مقاومة، وبروز هذا النوع من التقسيمات والحساسيات التي كانت موجودة ولكنها كانت خفية وتخرج الآن الى العلن، فإن حزب الله يجد نفسه معنيا بما يحصل، خصوصا أن النائب السيد «مسمى عليه» ويعتبر من محوره السياسي. وسيكون تدخل حزب الله لحصر هذا الخلاف ووقف كل أنواع السجالات مع انحياز الى الرئيس بري من خلفية الحفاظ على الثنائية الشيعية وتماسكها، وعلى وحدة واستقرار الطائفة من جهة، وعلى دور وموقع بري الرسمي والسياسي، وهو الذي يضطلع بدور أساسي في إدارة اللعبة السياسية وتناقضاتها، ليجد نفسه الآن منهمكا بتناقضات داخلية داهمته وأربكته ولكن الى حين.
وفي ذروة السجال دخل وزير العدل سليم جريصاتي، عضو كتلة «لبنان القوي» التي يرأسها الوزير جبران باسيل على الخط، بتوجيهه كتابا الى النائب العام التمييزي، باعتبار ما ورد في كلام السيد في مؤتمره الصحافي الأخير، حول رشاوى التوظيف في الاسلاك العسكرية والأمنية، وصرف النفوذ واستثمار الوظيفة إخبارا، وعليه فتح التحقيق. وكان النائب السيد حرص على التنويه بالرئيس نبيه بري معتبرا اياه من اهم الساسة في لبنان، نافيا ان يكون في وارده منافسته على رئاسة المجلس في يوم من الايام، لكن يبقى السؤال اين حزب الله بين أحد أعضاء كتلته، وبين الحلفاء في أمل؟ خصوصا وقد امتدت سهام النائب السيد لتصيب بعبدا، عندما اعتبر ان من حسنات الرئيس نبيه بري في السياسة انه لا صهر لديه او ابنا يتطلعان الى العمل السياسي، وكأنه يغمز من قناة عائلة الرئيس عون.