اتهمت صحيفة “الاخبار” وزير حزب القوات اللبنانية غسان حاصباني، بتحويل وزارة الصحة بسرعة فائقة إلى ما يشبه مغارة علي بابا، حيث يصعب التكهن أين تبدأ المخالفات التي أنجزها خلال عامين ومتى تنتهي. وبالطبع، لا يمكن حاصباني وحده إمساك كل ملفات الفساد بيديه الاثنتين، لذلك كان لا بد من الاستعانة بمستشارين منتدبين من معراب خصوصاً لهذه المهمة
وأضافت الصحيفة: “يوم الاثنين 16 تموز 2018، كشفت الأخبار استدعاء جهاز أمن الدولة لمستشارة وزير الصحة غسان حاصباني، السيدة أنجليك خليل، للتحقيق معها في ملف بيع أدوية بطريقة غير شرعية يقوم بها أحد العاملين لديها، وبموافقتها، إذ إن هذه المستندات تحمل توقيعها الخاص. يعمل مستشاره الثاني إيلي زيتوني على خطّ آخر. تتمحور مهمات الأخير حول توزيع السقوف المالية على المستشفيات الخاصة والحكومية (السقوف هي المبالغ التي تدفعها الدولة، عبر وزارة الصحة، لكل مستشفى، بدل استشفاء المرضى غير المضمونين). شكل هذا الملف فضيحة صحية، على اعتبار أن المبالغ وُزعت استنسابياً عبر خفض سقوف المستشفيات الحكومية مقابل رفعها للخاصة، وكأن الهدف ضرب مستشفيات الدولة التي تشكل وجهة المرضى الفقراء الوحيدة عوض الموت على أبواب المستشفيات الخاصة التي ترفض غالبيتها استقبال أي مريض على حساب الوزارة يومها، خرج حاصباني لتبرير هذه الفضيحة عبر القول إن توزيع السقوف اعتمد معايير علمية تلحظ عدد الأسرّة في كل مستشفى وحجم الطلب وكلفة الاستشفاء، وإن العملية جرت بشفافية تامة. ذلك قبل أن يتبين أن المعايير العلمية والشفافية في قاموس حاصباني ومستشاره إيلي زيتوني تعني «التلاعب بالسقوف».
وواصلت “الاخبار”: “قبيل توزيع السقوف المالية، طلب زيتوني من نقابة المستشفيات تزويده بجدول يحدد عدد الأسرّة في كل مستشفى. كذلك طلب من المستشفيات تقديم إفادات الانتساب إلى النقابة بغية إرفاقها بعقود الوزارة المبرمة. ولكن لا حاصباني ولا زيتوني التزما المستندات المقدمة من النقابة والمستشفيات، وهنا بدأت عملية التلاعب. بحسب إفادات نقابة المستشفيات المقدمة إلى الوزارة حول عدد الأسرّة في المستشفيات، التي حصلت «الأخبار» على نسخ منها، يتضح أن الرقم المعتمد من الوزارة، الذي جرى على أساسه توزيع السقوف، رقم مختلف تماماً عن الرقم الحقيقي. الكلام هنا ليس عن مستشفى أو اثنين، بل أكثر من 14 مستشفى اللافت هنا أن مستشفى هارون التابع لنقيب المستشفيات سليمان هارون، جرى التلاعب بعدد أسرّته، علماً بأن إفادات النقابة حول عدد الأسرّة الأصلي تحمل توقيع هارون نفسه!”
وواصلت: “على هذا الأساس، بلغ سقف مستشفى اللبناني الجعيتاوي في عام 2018، 5 مليارات ليرة، والقديس جاورجيوس 5 مليارات و700 مليون ليرة، هارون 3 مليارات و280 مليون ليرة، مار يوسف 3 مليارات و375 مليون ليرة، سيدة المعونات 8 مليارات و745 مليون ليرة، المشرق 3 مليارات و100 مليون ليرة، القديسة تيريزا 1 مليار و745 مليون ليرة، عين وزين 9 مليارات و595 مليون ليرة، سان لويس 1 مليار و290 مليون ليرة، لبيب الطبي 5 مليارات و350 مليون ليرة، المرتضى 2 مليار و485 مليون ليرة، سان جورج عجلتون 3 مليارات و475 مليون ليرة، سيدة مارتين 2 مليار و180 مليون ليرة ومنذر الحاج 1 مليار و400 مليون ليرة. علماً أن مستشفى منذر الحاج اشتراه العام الماضي النائب القواتي جورج عدوان، وحُدد سقفه المالي في عام 2016، أي قبيل عملية الشراء بـ650 مليون ليرة. إلا أن حاصباني رفع سقف المستشفى في عام 2017 إلى 1.4 مليار ليرة، وأبقاه على ما هو عليه في عام 2018، برغم أن هذا المستشفى لم يصرف كامل اعتماده السنوي. إذ تفيد الفواتير التي قدمتها إلى لجان الاستلام في وزارة الصحة عن كامل عام 2017 بأن المبلغ المصروف 700 مليون ليرة، أي نصف السقف المحدد. لكن حاصباني ومستشاره زيتوني يصرّان على منحه اعتماداً سنوياً بقيمة 1.4 مليار ليرة!”.
وأوضحت “الاخبار” انه في موازاة التلاعب بعدد الأسرّة وبالسقوف المالية المقرة بمرسوم يحمل رقم 4599 عبر إصدار قرار جانبي (يحمل الرقم 935) ووضع سقوف مختلفة تتناسب ومصالح حاصباني ومستشاره وحزبه، ثمة فضيحة أخرى تكمن في إيراد وزارة الصحة سقوفاً مالية ونفقات لمستشفيات لا تستوفي الشروط، فضلاً عن أن مستنداتها القانونية غير مستكملة. وفي هذا السياق، وافقت وزارة الصحة على إقرار ثلاثة عقود لمصلحة مستشفى العناية الإلهية في أنطلياس، أولها، الإقامة الطويلة العادية، ثانيها، العناية الملطفة، وثالثها، العلاج الفيزيائي، مكتوبة بخط اليدّ على الورقة نفسها التي تتضمن طلب المستشفى من حاصباني إجراء عقد معه ودعمه وتقول الجماعة الرهبانية المارونية «رسالة حياة» في طلبها إنها «رهبانية ذات حق بطريركي بناءً على الإفادة الصادرة من البطريرك بشارة الراعي في عام2017». وتشكر الجماعة الرهبانية في سياق النص الوزير حاصباني على توقيعه الترخيص لها باستثمار المستشفى، موردة رقم القرار، علماً أن إنشاء أي مستشفى بحاجة إلى مرسوم. وقد منحه حاصباني اعتماداً مالياً بقيمة 50 مليون ليرة لعام 2018. أما مؤسسة «أنت أخي» المحسوبة على القوات اللبنانية، فقد أقرّ لها سقفاً مالياً بقيمة 50 مليون ليرة، رغم أنها لم تستكمل مستنداتها القانونية لدى لجنة العقود في وزارة الصحة، بحسب المصادر. فيما مستشفى سانتا ماريا المحسوب صاحبه أيضاً على القوات اللبنانية، والذي أقامت فيه منسقية القوات في جبيل نشاطاً بمناسبة عيد الأم في العام الماضي، فقد أنجز له وزير الصحة غسان حاصباني دون غيره من المستشفيات كل عقود المصالحة من عام 2012، وصولاً الى عام 2016، فضلاً عن توفير مبلغ 950 مليون ليرة من موازنة المستشفيات لمصلحته. وأرسلت عقود المصالحة إلى وزير المالية لتأمين الاعتمادات اللازمة لها. يشار إلى أن موقع هذا المستشفى أو دار العجزة كان في الأساس في منطقة عجلتون قبل أن يُنقَل إلى منطقة راس أسطا العقارية ــــ قضاء جبيل من دون أي تسوية قانونية، وفقاً لمصادر الوزارة. ويشار أيضاً إلى أنه سبق للوزير السابق وائل أبو فاعور أن أرسل إنذاراً مسجلاً إلى المستشفى نفسه، نتيجة شكاوى بسوء معاملة المسنين”.
وأضافت: “لا يختلف وضع مؤسسة «دار حاملات الطيب» ــــ دده و«دار الشيخوخة» ــــ المينة الحديثي الإنشاء عن وضع المؤسسات السابقة. إذ اعتُمد سقف مالي لكل مؤسسة منهما بقيمة 100 مليون ليرة عن عام 2018 من دون أن يستكملا مستنداتهما القانونية بعد، ورغم عدم ورودهما في قائمة المستشفيات المذكورة في المرسوم الوزاري الذي يريد حاصباني إلغاءه بفرمان عثماني. لمستشفى شبعا قصة أخرى، فالمستشفى تقدمة من الإمارات للدولة اللبنانية. إلا أن الدولة لم تتمكن من تشغيله، فعقدت اتفاقاً مع مستشفى المقاصد لتشغيله بإشراف وزارة الصحة. في عام 2017، أقرّ له حاصباني اعتماداً بقيمة 950 مليون ليرة، من دون أن يتمكن من صرفه، نتيجة عدم استكمال مستنداته القانونية، فسقط المبلغ لمصلحة الخزينة، فيما كان يمكن مستشفى آخر، قانونياً طبعاً، أن يستفيد منه ما دام مشمولاً بالموازنة. رغم ذلك، لم ييأس حاصباني، وقد أقرّ مجدداً للمستشفى نفسه في عام 2018 مبلغ 900 مليون ليرة من دون أي تغيير يذكر في وضعه السابق غير القانوني. كذلك الأمر بالنسبة إلى مستشفى مريم ومارثا الذي صرف له 50 مليون ليرة أخيراً من دون أن يحظى المستشفى بكشف صحي”.
واعتبرت “الاخبار” أن من هوايات حاصباني اللعب بالسقوف المالية وصرفها لمؤسسات لم تستوفِ مستنداتها القانونية، فيما كان يمكن منحها للمستشفيات الحكومية التي خفض لها سقوفها. فالمسلك الإداري الطبيعي لتعديل السقوف المالية يمرّ بمديرية الصرفيات في وزارة المالية التي يفترض أن توافق قبل ردها إلى الوزارة التي بدورها ترسلها إلى ديوان المحاسبة للتصديق عليها حتى يتمكن الوزير من صرف هذه المبالغ. وهنا يأتي دور ديوان المحاسبة في ردّ طلبات كل المستشفيات والمؤسسات والمراكز التي يفتقر ملفها إلى المستندات القانونية. من جهة أخرى، رفضت كل المستشفيات التابعة لحزب الله وللحزب التقدمي الاشتراكي التوقيع على قرار الوزير الأخير بتعديل السقوف المالية وتجاوز المرسوم رقم 4599. وإذا ما وافق ديوان المحاسبة على قرار الوزير، تُلغى عقود هذه المستشفيات مع وزارة الصحة تلقائياً.
وواصلت: “كلف حاصباني 4 شركات تدقيق TPA مراقبة عمل المستشفيات لترشيد الإنفاق وتوفير مبالغ مالية على الوزارة. وتتقاضى شركات التدقيق على هذا العمل مبلغ 4 مليارات ليرة لبنانية. أفضى التدقيق الأخير لهذه الشركات بالتعاون مع لجنة التدقيق الداخلية في وزارة الصحة إلى التوصل إلى نسب حسم على الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2017. لكن مجدداً، لحاصباني وزيتوني رأيهما الخاص في ذلك. والسؤال هنا: لماذا كلف حاصباني هذه الشركات وأهدر 4 مليارات ليرة لبنانية ما دام لن يتقيد بنتائجها وتوصياتها؟”