تستمر الاحتجاجات الشعبية في مدن جنوبي العراق، على وقع ارتفاع عدد الضحايا الذين سقطوا خلالها، ووصل إلى 8 قتلى و60 مصابًا. أما أهداف هذا الحراك، فرفعُ الصوت ضد تدهور الخدمات العامة في هذه المنطقة من بلاد “ما بين النهرين”.
فهي تعاني من الإهمال منذ عقود برغم الثروة النفطية التي تختزنها، ويشكو السكان من الفساد المستشري إذ إن البلاد تتلقى سنويًا عشرات مليارات الدولارات من بيع النفط. وفي المقابل، تتراكم أكوام النفايات في الكثير من شوارع البصرة وتتسبب المياه الراكدة ومياه الصرف الصحي في مشاكل صحية، في حين تنقطع الكهرباء سبع ساعات يوميًا رغم بلوغ الحرارة 50 درجة مئوية صيفًا، كما أن شبابها يعانون البطالة وانعدام فرص العمل.
وفي وقت تحاول الحكومة العراقية احتواء الاحتجاجات، عبر قرارات من بينها تخصيص وظائف حكومية وأموال لمحافظة البصرة، فضلًا عن خطط لتنفيذ مشاريع خدمية على المدى القصير والمتوسط، التظاهرات ما زالت مستمرة.
ذلك أن ما يجري، وفق ما تقول مصادر دبلوماسية مواكبة للتطورات العراقية لـ”المركزية”، ليس فقط تظاهرات ضد الأداء الرسمي “معيشيًا”، بل يتخطاها إلى تململ أو حتى “انتفاضة” شيعية على وضع إيران يدها على ثروات المنطقة هذه، مباشرةً أو عبر حلفاء محليّين لها، فيذهب معظم أرباحها إلى الجمهورية الاسلامية، فيما سكانها يكتوون بفقر مدقع ويتخبطون في ظروف حياتية من الأصعب.
وما فاقم “الغضبة” الشيعية العراقية على إيران، بحسب المصادر، ودفع سكان الجنوب إلى الشارع بعد أن تحمّلوا معاناتهم لسنوات، هو أن طهران لجأت منذ أسابيع إلى “استخدامهم” في لعبتها السياسية في العراق. ففيما تحاول تعزيز نفوذها في بغداد مجددًا بشتى الوسائل- بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات ارتفاع أسهم التيارات الرافضة لهيمنتها على العراق، فانتصر تيار مقتدى الصدر المناوئ لخياراتها- قررت قطع خطوط إمدادات الماء والتيار الكهربائي المصدرة إلى العراق، عن محافظات في الجنوب العراقي، لاسيما البصرة. وهي كانت، عبر هذه الخطوة، تحاول تأليب سكان المنطقة على الحكومة العراقية التي يرأسها حيدر العبادي، للضغط باتجاه تشكيل تحالف حكومي طائفي يصب لصالحها، إلا أن الرياح ذهبت بما لا تشتهي سفنها، فتحوّلت الاحتجاجات ضدّها، دائمًا بحسب المصادر. حتى أن أداء إيران هذا دفع بالعراق إلى الانعطاف أكثر نحو الدول الخليجية، فزار وفد رفيع يرأسه وزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي مدينة جدة السعودية منذ ساعات، لبحث عدد من القضايا والملفات، على رأسها ملف الطاقة الذي يشمل الكهرباء والوقود.
أما في الصورة الأوسع، فتتحدث المصادر عن نقمة متزايدة على القيادة الإيرانية في المنطقة. تبدأ من قلب الجمهورية الإسلامية، حيث تتواصل التظاهرات منذ أسابيع، وتمر في اليمن حيث بات الحوثيون أكثر ليونة إزاء خيار التفاوض، وصولًا إلى لبنان حيث لم تخف البيئة الحاضنة لـ”حزب الله”، لاسيما بقاعًا تململها، من تجاهل أوضاعها الحياتية والمعيشية، مقابل تكريس الحزب كل طاقاته للقتال العسكري، لاسيما في سوريا.
وتسأل: “أمام هذه الضغوط التي تمارس عليها من بيئتها ومن المجتمع الدولي، هل تصمد إيران طويلًا أم تعيد النظر في سياساتها وخياراتها”؟