من كأس التعطيل ذاتها التي تجرع منها أخصام الرئيس العماد ميشال عون مرتين في استحقاقين دستوريين، يتجرع هو اليوم هذه الكأس، وهو في سدة المسؤولية، وأحوج ما هو إليه هو الوقت من أجل ممارسة الحكم وتحقيق الوعود التي ينادي بها العهد كي يغير وجه لبنان كما يقولون. أحد عشر شهرا انتظر اللبنانيون ولادة حكومة الرئيس تمام سلام، وأكثر من سنتين انتظروا للخلاص من الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، وكل ذلك كان تحت عنوان أن لدى فريق العماد عون أو لدى الأكثرية المسيحية حقوقا يجب أن تحترم، ولا ضير من الانتظار حتى ولو طال وازداد الضرر على المستوى الاقتصادي وغيره، فالمهم أن تحظى أكثرية المسيحيين بحقوقها، وهذا ما حصل.
إن هذا الواقع ليس واقعا خاصا بالتيار الوطني الحر أو امتياز يحظى به وحده، إنه سابقة كرسها هذا التيار في الحياة السياسية اللبنانية ولا يمكن له أن يعترض إن مارسها آخرون، فكما للتيار الوطني الحر حقوق يتعطل البلد حتى تحقيقها، كذلك للأطراف الأخرى حقوق ويحق لها بموجب المعاملة بالمثل أن تعطل البلد حتى تحقيقه، وتقول بعض قيادات هذه الأطراف إن البادي أظلم.
إن الخروج من هذه المعادلة غير ممكن إلا من خلال أمرين: إما أن يفرض على أحد فريقي النزاع حل بالقوة، وإما أن يعمد أحد الفريقين إلى التنازل. إن فرض أي حل بالقوة ليس متوفرا اليوم، فهو يعني بكل ما للكلمة من معنى تفجير حرب واقتتال بين اللبنانيين. ومجرد الحديث عن صلاحيات هذه الرئاسة أو تلك ومحاولة تخطيها يكاد أن يشعل الوضع، فكيف إذا حاول أحد الأطراف استخدام القوة لفرض أمر واقع؟ يبقى خيار التنازل وهو خيار يبدو أن الإقدام عليه سيكون صعبا إن لم نقل مستحيلا، لأنه في الظرف السياسي الراهن لا يعني تنازلا لمصلحة البلد واقتصاده، بل يعني لأي طرف من الأطراف هزيمة سياسية غير مسبوقة، سيحملها الخصم كانتصار كبير يلوح به أمام جماهيره قائلا لهم إنه أسقط المخطط الذي استهدفه.
في الخلاصة لا بد من الإشارة، إلى أن الكلمة الفصل تبقى في يد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يحاول أن ينقذ بعهده وينهض به مهما كان الثمن، ومن الأكيد أن المهم بالنسبة له أن يحقق هذا العهد إنجازات لم تحقق سابقا، وأن يلمس اللبنانيون تغييرا حقيقيا وان يتحدث الجميع عن نجاح العهد. وكل هذه الأمور الكبيرة يجب ألا تتوقف عند وزير بالزايد أو وزير بالناقص، بل هي تحتاج إلى تخطيط وإرادة مرتبطان بالعقل والحكمة وليس بعدد الوزراء.