كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار”:
كانَ لا بدّ لطموحات رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل السياسية من أن تصطدِم بإرادة القوات اللبنانية المحافظة على ما اغتنمته من اتفاق معراب. أدت «القوات» قسطها للعلى رئاسياً منذ نحو سنتين. «تساهلت» مع أول حكومة للعهد، لكن بعد الانتخابات النيابية، لا بد من كلام آخر. أرادت أن تتصرف بوصفها «شريكاً كاملاً» للتيار الوطني الحرّ والعهد، قبل أن تكتشف أن خيارات رئيس تكتّل لبنان القوي، ربطاً بحساباته الرئاسية، أكبر من أي اتفاق وفوق أي نوايا. راحت سكرة تلك الليلة التي حلّت فيها الروح القدس على العدوين اللدودين، فوقّعا في 18 كانون الثاني (2016) زواجاً عرفياً يسهل التنصّل منه. راحت السكرة، وجاءت الفكرة التي تأكدت بعدها القوات من أن التيار الوطني أخذ مُراده من المصالحة والاتفاق (انتخاب ميشال عون رئيساً) وما تبقى، هو بالنسبة إلى باسيل «مجرد تفاصيل يُمكن القفز عنها». لكن القوات قررت الردّ على ما اعتبرته «انقلاباً» عليها، بفتح أبواب ومسارات جديدة، من دون أن تتخلى أمام الشارع المسيحي عن تمسّكها بالتفاهم والمصالحة، وهو خطاب رئيس حزب القوات سمير جعجع، أمس، رداً على ما قاله باسيل للزميلة «الجمهورية».
وبحسب الحركة القواتية الأخيرة، قررت معراب أن تضع على جدول أعمالها ترجمة خيار الانفتاح على الجميع، والدخول إلى أماكن كانت «محظورة» بالنسبة اليها سابقاً. هذه «الاستراتيجية» الجديدة، تجلت تباشيرها بمداومة نواب في تكتل «الجمهورية القوية»، على حضور لقاء الأربعاء النيابي، وتأكيدهم «تعميق العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي»، وكذلك بالزيارة اللافتة للانتباه لوفد نيابي قواتي الى وزارة الدفاع أول من أمس.
لم تأتِ سياسة القوات اللبنانية الجديدة من عدم. السبب الرئيسي كان في استشعارها خطر إقصائها من قبل العونيين، فاختارت التحصّن بسياسة «تصفير مشاكلها» مع جميع القوى، كما تقول مصادرها. وبالرغم من أن معراب تحاول وضع تحرك سربها النيابي في إطار «تعزيز العلاقات مع كل الفرقاء والاستغناء عن خلق عداوات هي لزوم ما لا يلزم»، غير أن ذلك لا يلغي حقيقة دخولها في حرب باردة مع الوزير باسيل تحديداً.
كان يُمكن لخبر الاجتماع الذي ضمّ قائد الجيش العماد جوزيف عون مع وفد قواتي في وزارة الدفاع في اليرزة، قبل يومين، أن يمرّ بشكل عابر. لكن تاريخ القوات مع المؤسسة العسكرية يستدعي الوقوف عند هذا الاجتماع، شكلاً ومضموناً. القواتيون يعتبرون هذه الخطوة باتجاه المؤسسة العسكرية «بمثابة حق طبيعي»، والزيارة «هي خطوة من خطوات إقفال صفحة سوداء من تاريخ العلاقة مع هذه المؤسسة». الزيارة تأتي بقرار من معراب و«ستليها زيارات منتظمة ودورية تشمل كل المرجعيات الروحية والسياسية والعسكرية والأمنية».
لا رابط بالنسبة إلى القوات بين الزيارة إلى وزارة الدفاع واستمرار الحديث عن حصول القوات على وزارة سيادية (وزارة الدفاع). الأصح، أن هدف الزيارة «كسر الفتور الذي شاب العلاقة بين الطرفين على خلفية ما سيق من أخبار عن معلومات نقلها سفير لبنان في واشنطن غابي عيسي، بأن مسؤول القوات في أميركا يعمل لثني الولايات المتحدة عن إرسال المساعدات الى المؤسسة العسكرية كونها مقرّبة من حزب الله». للزيارة أيضاً هدف غير معلن: إنها رسالة إلى باسيل مفادها أن القوات طرف قابل للتسوية والتفاهم مع جميع الأطراف، حتى هذه المؤسسة التي ينظر اليها العونيون على أنها مؤسستهم وهم «أربابها».
ولا تخرج الزيارات التي يقوم بها نواب القوات الى الرئيس برّي عن هذا الإطار. الانتخابات النيابية الأخيرة كرّست قوة كل من حركة أمل وحزب الله داخل الطائفة الشيعية. لا وجود لقوة ثالثة توازي قوتهما. أرادت القوات أن يكون لها تواصل فعلي وجدي مع القوى الشيعية السياسية الأساسية في البلد. حزب الله أرادها علاقة محصورة داخل المؤسسات، أي تعاون في مجلسي النواب والوزراء ليس إلا. احترمت القوات اللبنانية قرار حزب الله، غير أن ذلك لم يثنها عن طرق باب عين التنية. في الأصل، هذا الباب لم يكُن يوماً مغلقاً. لا في وجه القوات ولا أيّ مكوّن سياسي آخر. من هذا المنطلق، تتعاطى عين التينة إيجاباً مع «الهجمة القواتية الجديدة» تجاهها! لكن للقوات حسابات أخرى. تريد الأخيرة أن تزاوج بين ما تقول عنه «التقاطع مع حزب الله في محاربة الفساد» وبين علاقة سياسية مع رئيس المجلس. فهي التي «تتعرض لحرب إلغاء من باسيل» وفق رأيها، «لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي». لكن بماذا يُمكن أن يفيد الرئيس برّي القوات؟ أو الأصح كيف تريد القوات أن تستغل هذه العلاقة؟
تسعى القوات جاهدة إلى كسر الصورة النمطية عند الطائفة الشيعية. يدّعي القواتيون أن التيار الوطني الحر أسهم في «شيطنة سمير جعجع». الخلاف الاستراتيجي مع القوات وتاريخها، كل ذلك تكفّل في بناء جدار سميك معها، لا بل أحدث «نقزة» دائمة.