كتبت سناء الجاك في صحيفة “الشرق الأوسط”:
أعادت منظمة “هيومان رايتس ووتش” قضية تعذيب الموقوفين والسجناء في لبنان إلى دائرة الاهتمام، فطالبت السلطات اللبنانية بـ”إجراء تحقيق شامل ومحايد في مزاعم الممثل زياد عيتاني”، الذي اعتقله جهاز أمن الدولة بعد اتهامه بالتخابر مع إسرائيل، ليتبين أن ملفاً لفق له ويطلق سراحه بعد 112 يوماً من الاعتقال.
ورغم انقضاء أكثر من 4 أشهر على إطلاق سراحه، لا يزال زياد عيتاني يسعى للحصول على حقوقه كمواطن تعرض للتعذيب على يد جهة أمنية رسمية. ويقول لـ”الشرق الأوسط”: “آمل، أولاً وأخيراً، محاسبة فريق التحقيق في جهاز أمن الدولة المكون من 4 عناصر الذي تولى تعذيبي. سيقدم المحامي الخاص بي الادعاءات على أساس ما حصل”. ويضيف: “الارتكابات بحقي لا تزال مستمرة حتى الآن، رغم كلمة القضاء الحاسمة ببراءتي وصدور القرار الاتهامي بحق من زور ملفي. إلا أن موقع أمن الدولة لا يزال ينشر على صفحته البيان الاتهامي الأول المتعلق بقضيتي والذي يدينني، كذلك يتهم الموقع كل من يتعاطف معي بأنه صهيوني. وهذا يهدد حياتي، لأن من لا يصدق أني بريء قد يعتبرني عميلاً. حينها ما هو مصيري؟”.
ومناهضة التعذيب في لبنان أصبحت من أهم الالتزامات المتعلقة بالسجون، وذلك بعد توقيع الدولة اللبنانية على اتفاقية جنيف بهذا الخصوص، كما يقول رئيس جمعية “عدل ورحمة” الأب الدكتور نجيب بعقليني لـ”الشرق الأوسط”. ويضيف: “هذا ما تقوم به الجمعية في السجون ومراكز التحقيق ودور العدل. وقد تحسن الوضع كثيراً. وبدأت تتدنى حالات تعذيب الموقوفين والسجناء. وإذا أقدم بعض السجانين أو المحققين على أي تعذيب واشتكى المتضررون وأثبت الأمر بأدلة حسية، يصار إلى إعفاء المرتكبين ونقلهم إلى مهمات أخرى”. ويوضح أن “الجمعية تتابع أوضاع الموقوفين والسجناء لتقديم المعونة القانونية لهم. والأمر لا يقتصر على العنف الجسدي والنفسي، بل يشمل العنف الناجم عن حجز الناس في أماكن غير صحية ومظلمة ولا هواء فيها”. ويشدد الأب بعقليني على أن الجمعية تحرص على العمل الاستباقي، وذلك لجهة تدريب الفريق الأمني الذي يعمل في السجون بشأن كيفية التعامل مع الموقوفين والسجناء، وضرورة احترام الحقوق التي يمنحهم إياها القانون، والالتزام بحقوق الإنسان كما نصت عليها الأمم المتحدة. مع الإشارة إلى أن القانون اللبناني واضح إذ لا غطاء لمن يخالف، فهناك رقابة والتزام بالاتفاقية مع جنيف وهناك الضغط الشعبي والاجتماعي.
ويؤكد مصدر مسؤول في قوى الأمن الداخلي عن إدارة السجون لـ”الشرق الأوسط” أن “لا تعذيب في السجون التابعة لقوى الأمن الداخلي. التعليمات واضحة بهذا الخصوص. وإذا علمنا بحالة محددة تبدأ التحقيقات للتأكد من حصولها. ونستطيع القول إنه لم تسجل حالات منذ فترة”.
ويشير المسؤول إلى “وجود لجنة تحقيقات متخصصة، تتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني، وتقوم بجولات متواصلة ومن دون مواعيد على المخافر ومراكز التحقيق للتأكد من التزام العناصر بالقوانين وعدم استعمال الشدة لدى إلقاء القبض على المشتبه بهم والتحقيق معهم. وفي حال اكتشاف أي مشكلة تقدم اللجنة تقريرها إلى المدير العام. وإذا حصل أي خطأ، وقد يحصل في أهم الدول، تحرص المديرية العامة على المحاسبة، وكل من يتقدم بشكوى نتابعها ولا نهمل أي تفصيل”.
لكن إذا استثنينا السجون التي تتولى إدارتها قوى الأمن الداخلي، ماذا عن الأجهزة الأخرى؟ ومن يتابع السجناء الذين تعرضوا إلى التعذيب؟
يوضح الأب بعقليني أن “الجمعية تحرص على متابعة السجناء الذين تعرضوا إلى صدمة التعذيب الجسدي والنفسي. وتلجأ إلى خدمات يؤمنها طبيب نفسي وجلسات أسبوعية داخل السجن حتى يتحسن وضع السجين، مع الإشارة إلى العمل لمساعدته في التأقلم. ووجود أعضاء من الجمعية داخل السجن يشعر السجناء أنهم ليسوا بمفردهم، كذلك مساعدتهم للاتصال بأهلهم، ما يفتح لهم أفقاً رغم الظروف الصعبة”.
ويشير الأب بعقليني إلى أن هذه الإجراءات لا تحول دون بعض الأخطاء. ويقول: “أوضاع السجان والسجين متردية، والقهر يطاول الاثنين. لذا أهمية التوعية على حقوق الإنسان واحترام الآخر. هناك دورة متكاملة للوصول إلى الحد الأدنى من ضبط الأمور”.
لكن محاسبة المرتكبين في الأجهزة الأمنية الرسمية تبقى ضبابية. ويقول عيتاني: “قد لا أصل إلى حقوقي بعد خطفي واعتقالي تعسفاً وتشويه سمعتي وتعذيبي لدفعي على الاعتراف بجريمة لم أرتكبها. وبوجود هذه الطبقة السياسية قد أتضرر أكثر. فقد علمت أن الضابط الذي كان يحقق معي سيحصل على ترقية”. ويصر عيتاني على اتهام العناصر الذين حققوا معه بأن هدفهم كان الحصول على ترقيات بتحقيق إنجاز وهمي. ويقول: “اتهموني بملاحقة وزير الداخلية نهاد المشنوق فقط لأن لدي رقم هاتف أحد مستشاريه”.
ويضيف: “هم الآن ينفون أنهم عذبوني، والقاضي رياض أبو غيدا كتب في قراره أني لم أتعرض للتعذيب، لكني اعترفت تحت الضغط. ما هو الضغط؟ ما حجمه؟ ما وسيلته؟ التهديد بالتعرض لعائلتي ليس تعذيباً إذا ترافق مع الصفع والضرب بالأسلاك الكهربائية؟”.
وفي شهادته لـ”هيومان رايتس ووتش”، قال عيتاني إنه جرى اقتياده إلى “غرفة مجهزة للتعذيب، مدهونة بكاملها بالأسود وتتدلى من جدرانها خطّافات معدنية”، وتوجه إليه أحد عناصر الأمن بالقول: “عليك أن تتكلم لأنه يجب أن تفهم أن التعذيب موجود في جميع البلدان”.
ويصر عيتاني على اعتبار بعض الإعلام اللبناني شريكاً في التعذيب. ويقول: “كنت معلقاً بيدي المكبلتين على الحديد، أستمع إلى حلقات تلفزيونية تبث معلومات مسربة ومفصلة عن تعاملي الملفق مع إسرائيل. وكان العناصر الذين يحققون معي يتابعون تهديدي بقولهم إن أحداً لن يصدق براءتي وإن بإمكانهم اغتصابي ولن يدافع عني أحد”.