من كل الاقتراحات والإصلاحات والخطوات التي تم اقتراحها على الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ باريس 1، مروراً بباريس 2 وباريس 3 و”سيدر”، وصولاً إلى اقتراحات تقرير “ماكينزي”، لم تتحمّس السلطة السياسية في لبنان سوى لإقرار قانون تشريع زراعة الحشيشة تحت مسمّى “الأغراض الطبية”!
هكذا بدأت مجموعة من النواب من أطياف مختلفة التحضير لهذا القانون، وحتى رئيس مجلس النواب كلّف لجنة لدراسة هذا القانون.
لم يتحرّك المشرّعون في لبنان بهذه السرعة لإجراء الإصلاحات المطلوب وإقرار القوانين اللازمة ومراقبة السلطة التنفيذية لفرض إقرار المراسيم التشريعية المواكبة للقوانين، وتنفيذ الإصلاحات بدقة قبل الوصول إلى الانهيار الكبير لا سمح الله.
كل ذلك لم يكن مهماً بنظر أكثرية المسؤولين اللبنانيين الذين يتلهون بالحصص والأحجام والعراضات، في حين يترنّح الاقتصاد اللبناني تحت وطأة ارتفاع الدين العام وعجز الموازنة والبطالة والتضخم وعجز ميزان المدفوعات ونسب الفساد، من دون أن نشهد ردّ فعل واحد لوقف مسلسل الانحدار.
وحدها فكرة تشريع زراعة القنّب، أو الحشيشة، حرّكت الركود القاتل في الساحة اللبنانية، سواء في السياسة أو في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وكأن ثمة من يراهن فعلاً على أنه فيما لو تمّ تشريع هذه الزراعة ستنتهي الأزمات اللبنانية ويتحقق الازدهار الاقتصادي ونسدّ الدين العام!
كان لافتاً في عزّ الحديث عن تشريع الحشيشة أن عدداً كبيراً من الزملاء الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية أجروا تحقيقات مصوّرة من مناطق بقاعية عدة، ومن قلب السهول المزروعة بالحشيشة للحديث عن هذا الموضوع. وفي حين أنه لغاية اليوم هذه الزراعة ممنوعة قانوناً في لبنان وتشكل جناية يعاقب عليها القانون، فإن المساحات المزروعة التي وصل إليها الإعلاميون بشكل سهل وعادي أكبر من أن تُحصى، والزراعة فيها في أفضل الأحوال وكأن لا دولة ولا قانون ولا من يحزنون!
وهنا نصل إلى لبّ المشكلة مع السؤال الآتي: هل كان ينتظر مزارعو الحشيشة أن تشرّع الدولة زراعتها ليزرعوها؟ وماذا سيتغيّر بعد تشريع زراعتها إن حصل ذلك قريباً كما تتجه الأمور؟ وأي فائدة ستجنيها الدولة من هذا التشريع؟ وأي فوائد للاقتصاد اللبناني نتيجة ذلك؟
لا تكمن المشكلة في أن لا أجوبة علمية عن الأسئلة المطروحة، بل المصيبة تكمن في أننا متيقنون ضمنياً من أن تشريع الحشيشة في ظل غياب دولة فعلية سيعرّض لبنان لمخاطر جمّة، لأن لا رقابة قادرة على ضبط وجهة هذه الزراعة وبيع انتاجها وتسويقها، سواء في الداخل أم إلى الخارج، ما قد يعرّض لبنان لعزلة ويضعه في موقع لا يُحسد عليه إذا تعرّض لعقوبات بسبب الفلتان نتيجة التشريع الجديد، وخصوصاً أنه لم يكن قادراً على تطبيق القانون بمنع الزراعة في كل المراحل السابقة، فكيف سيضبط زراعة الحشيشة ويراقبها؟
ثمة قلق جدي ينتاب عدداً كبيراً من اللبنانيين من أن يكون كل ما يجري جزءًا من محاولة حرف الأنظار عن العجز المتمادي للمسؤولين عن مواجهة كل التحديات السياسية والاقتصادية المطلوبة في دولة فشلت في أن تكون دولة قانون وباتت تحلم بأن تتحول إلى دولة الحشيشة!