كتبت ماري الأشقر في صحيفة “الجمهورية”:
تُعتَبَر تربية الطفل من أكثر المهام صعوبة لدى الأهل، حيث يبذلون طاقة كبيرة في اعتماد الأساليب الصحيحة والمناسبة لتأمين التربية الصالحة لطفلهم، ولكن الى أيِّ حدّ يتحمّل الأهل مسؤولية في تكوين شخصية الطفل؟ ومتى تبدأ تربية الطفل؟
لا شك في أنّ الوالدين يتحمّلان القسط الأكبر في تربية أطفالهم، فتربية الطفل تبدأ قبل ولادته، لانها امتداد لتربية الام نفسها ولعلاقتها بزوجها. اما بالنسبة الى سلوك الطفل فيبدأ تكوّنه منذ اليوم الأول لولادته، وتحديداً لحظة تحتضنه امه للمرة الاولى، إذ إنّ هذه اللحظة مهمة للغاية.
الطفل يشعر بكل ما يدور حوله
يتأثر الطفل الصغير بالعلاقة بين والديه، فهو يشعر بكل ما يحدث حوله ويخزّنه في دماغه، ليظهر ذلك بطريقة غير مباشرة من خلال سلوكه. حيث قد يستغرب بعض الآباء والامهات سلوك ابنائهم العنيف لكن قبل أن يلوموهم، عليهم مراجعة سلوكهم وتقويمه، الذي أدّى الى هذا النوع من التصرف لدى الطفل. فالعنف ينتقل من الاهل الى اولادهم، والولد الذي ينشأ في عائلة يسودها العنف تكون شخصيته غير متّزنة، عنيفة وانفعالية.
أما في حال انفصال الزوجين فيجب أن يقوم بتربية الطفل مَن يملك القدرة على الاعتناء به، سواء أكان الأب او الأم، وخصوصاً الشخص الذي يرتبط به الطفل اكثر.
حرمان الاطفال من الحب والحنان
يحتاج الطفل الى الحنان والحب والقبول والاحتواء واذا لم يتوافر له ذلك، سيشعر عندها بالنقص، ما سيؤثّر في قدرته على بناء علاقات اجتماعية وعلى زعزعة ثقته بالآخرين، بالتالي سيعطّل تواصله الايجابي مع المجتمع. الحرمان العاطفي يضعف قدرة الطفل على التعبير عن مشاعره، ما يدفعه الى الانعزال والعدوانية والشعور بأنه المسؤول عن هذا الواقع، فيبتعد عن والديه وتتكوّن لديه عقدة الذنب. أما اليوم وعلى الرغم من تشديد التربية الحديثة على مساوئ القسوة على الطفل، ما زلنا نجد الكثير من الاهل يقسون على اولادهم ويفرضون عليهم عقاباً جسدياً ونفسياً لا يتلاءم مع الذنب المرتكب- بحجة بناء شخصية قوية.
من هنا إنّ التربية القاسية مرفوضة، والضرب يجب أن يُحذف تماماً من قاموس التربية، لأنّ الانسان الذي يُضرب يفقد جزءاً من آدميّته، اذ هناك وسائل اخرى يمكن للأهل استخدامها في تربية أطفالهم بعيداً من العنف والقسوة. واولى هذه الوسائل هي الحوار وفي حال لم يكن هناك نفع، يمكن عندها اللجوء الى حرمان الولد من شيء يحبه لفترة محدودة بدلاً من اعتماد القسوة معه.
أما فيما يخص المدرسة، فتلعب دوراً مهماً في تربية الطفل جنباً الى جنب مع البيت وتحديداً الأم، إذ إنّ التواصل بينهما ضروري في كل الاحوال- وليس فقط عند معاناة الطفل لمشكلة ما.
من هنا اذا وضع الأب والأم نفسيهما مكان الطفل وحاولا فهم اسباب سلوكه، فسيكونان قادرين على تحقيق نجاحات كبيرة معه من دون إيلامه وتأنيب نفسيهما في ما بعد. ويجب دائماً التذكّر أنّ القسوة تولد شخصية غير قادرة على إقامة علاقات سوية مع الآخرين.