مع ارتفاع عدد ضحايا مدينة السويداء القريبة من درعا إلى نحو مئتي قتيل، أعربت مصادر سياسية عربية عن اعتقادها بأن النظام السوري ومعه إيران يريدان تصفية حساب مع الطائفة الدرزية في سوريا. كذلك أبدت هذه المصادر تخوفها من وجود أبعاد إقليمية للمجزرة التي تعرّض لها دروز سوريا والتي لا سابق لها في تاريخهم الحديث.
ولم تستبعد أن تكون روسيا شريكا في هذه العملية في ضوء فشلها في إقناع الشبان الدروز بالانضمام إلى الألوية الموالية للنظام السوري.
وعزت “عملية التأديب” الثلاثية إلى سلسلة من المواقف اتخذها دروز سوريا شملت رفضهم، بشكل عام، الخدمة العسكرية خارج مناطقهم وذلك في وقت تحتاج فيه ألوية الجيش السوري التي ما زالت موالية للنظام إلى جنود وضباط يساعدونها على مدّ نفوذها في منطقة الجنوب وفي مناطق أخرى بعيدة عنه مثل إدلب.
وعلى الرغم من إعلان داعش مسؤوليته عن سلسلة التفجيرات التي استهدفت السويداء، تساءلت المصادر العربية كيف يمكن لمثل هذا التنظيم الإرهابي إرسال كلّ هذا العدد من الانتحاريين إلى قلب السويداء والقرى المحيطة بها في وضح النهار، في وقت استطاعت فيه القوات الحكومية تحقيق سيطرة شبه تامة على الجنوب السوري وذلك بغطاء مباشر روسي وإسرائيلي وفي ظل رضا أميركي.
وأوضحت أن ما يدفع روسيا إلى المشاركة في تصفية الحساب مع دروز سوريا، الفشل الذريع للمفاوضات التي أجراها وفد عسكري روسي في السويداء مع رجال دين في المدينة يسمّون أنفسهم “رجال الكرامة”.
وكشفت عن أن رجال الدين هؤلاء الذين يعتبرون معادين للنظام السوري رفضوا أثناء المفاوضات السماح للشبان الدروز بتأدية خدمتهم العسكرية كما أصروا على وصف الوجود العسكري الروسي في الأراضي السورية بأنه “احتلال”.
ولاحظت المصادر نفسها وجود غضب لدى إيران، خصوصا لدى حزب الله، بسبب رفض الدروز المشاركة في أي عمليات عسكرية في منطقة الجنوب السوري إلى جانب النظام وميليشيا الحزب.
وأبدت المصادر نفسها تخوفها من الأبعاد الإقليمية لمجزرة السويداء، خصوصا أن معظم سكان الجولان المحتل هم من الدروز إضافة إلى وجود أقلّية درزية في إسرائيل تمتلك نفوذا كبيرا.
ويعود نفوذ الأقلّية الدرزية في إسرائيل إلى أن أفرادها يقبلون الخدمة في الجيش الإسرائيلي حيث يوجد عدد من كبار الضباط ينتمون إلى تلك الطائفة.
ويبلغ عدد الدروز في سوريا نحو ستمئة ألف مواطن يقيم معظمهم في السويداء وجرمانا والمناطق القريبة منهما، كما أن هناك بضعة آلاف من الدروز في منطقة إدلب. لكنّ معظم هؤلاء هجّروا من قراهم ولم يعد عدد الدروز في إدلب يتجاوز الخمسة آلاف مواطن.
ومعروف عن الدروز عموما أنّهم مقاتلون شرسون، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالدفاع عن أرضهم. إضافة إلى ذلك، فإن تلك الطائفة تتمتع بحكمة معيّنة تقوم على عدم استعداء الطوائف الأخرى.
ولم تستبعد المصادر العربية أن يضغط دروز الجولان وفلسطين على إسرائيل من أجل حماية دروز سوريا، تماما كما حصل في لبنان في الأعوام 1982 و1983 و1984 عندما استغلت الميليشيات المسيحية اللبنانية الاجتياح الإسرائيلي لتهجير قسم من الدروز من قراهم في ما عرف وقتذاك بـ”حرب الجبل”.
وقالت هذه المصادر إن هناك شعورا درزيا بضرورة أن يدعم أبناء هذه الطائفة بعضهم بعضا من منطلق أنّهم أقلّية.
وأشارت إلى أن دروز الجولان يعتبرون أنفسهم سوريين على الرغم من أنّهم تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967، لكن ذلك لن يمنعهم من الاستنجاد بإسرائيل ودروز فلسطين الذين يبلغ عددهم نحو مئة وعشرين ألفا من أجل حماية أبناء الطائفة في السويداء.
واعتبر مراقبون أن ما حصل في السويداء هو جزء من الترتيبات التي تعدّ في جنوب سوريا وأن المتابعين للمشهد السوري يتذكرون تحرك تنظيم داعش في المناطق العصية على النظام السوري أو تمهيدا لتطورات ميدانية تمهد لسيطرة قوات تابعة لدمشق على هذه المناطق.
وقال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على حسابه في تويتر “السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف وصلت وبهذه السرعة تلك المجموعات الداعشية إلى السويداء ومحيطها وقامت بجرائمها قبل أن ينتفض أهل الكرامة للدفاع عن الأرض والعرض.. أليس النظام الباسل الذي ادعى بعد معركة الغوطة أنه لم يعد هناك من خطر داعشي إلا إذا كان المطلوب الانتقام من مشايخ الكرامة”.
وأضاف جنبلاط “وما هي جريمة مشايخ الكرامة سوى رفض التطوع بالجيش لمقاتلة أهلهم أبناء الشعب السوري”.
وكانت معلومات محلية قد ذكرت أن اجتماعا عُقد قبل أيام في محافظة السويداء بين شيوخ العقل ووفد روسي رفيع المستوى زار المحافظة للبحث في مطالب أبناء المدينة المتعلقة بالخدمة الإلزامية في الجيش السوري، إضافة إلى قضايا أخرى.
ونقل عن مصادر محلية أن روسيا تسعى للعب دور الوسيط بين أهالي المنطقة ونظام دمشق الذي يتهم المنطقة بأنها تبالغ في الموقف المحايد الذي تتخذه من الصراع بما في ذلك رفض أهالي المنطقة الدروز من الالتحاق بصفوف الجيش السوري وبالتالي تجنبهم الدخول في الحرب السورية.
ولم تخف بعض الآراء خشيتها من أن يكون هجوم داعش على مناطق درزية وداخل السويداء شبيها بالهجمات التي شنها التنظيم قبل ذلك على الحجر الأسود ومخيم اليرموك ومناطق أخرى محاذية لدمشق لتبرير قيام النظام بهجوم شامل على المنطقة وإعادتها إلى حضنه تحت مسوغ تحريرها من القوى الإرهابية.
وكانت المعلومات حول زيارة الوفد الروسي إلى السويداء قد أفادت بأن الاجتماع استمر لأكثر من ساعة ونصف الساعة، وترأسه ضابط روسي برتبة عقيد، وعد بنقل مقترحات وجهاء ومشايخ المحافظة في العديد من الأمور إلى القيادة الروسية لبحثها مع النظام وإيجاد حل لها، كقضية المتخلفين والمطلوبين للاحتياط، إضافة إلى ظاهرة انتشار السلاح العشوائي.
وقالت معلومات لاحقة إن الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، سيلتقي في وقت قريب مسؤولين روسا لبحث وضع دروز سوريا.
وكانت حركة “رجال الكرامة” أصدرت بيانا الشهر الماضي، أكدت فيه اتخاذها موقف “الحياد الإيجابي” مما يحدث في محافظة درعا.
ويرى مراقبون أن دمشق تسعى لقطع أي تواصل بين مناطق سورية والقيادة الروسية وتسعى لفرض أمر واقع جديد مستفيدة من التفاهمات الدولية حول الجنوب السوري.
وكان المعارض السوري ميشال كيلو قد توقع سابقا تعرض السويداء لحملة واسعة من قبل النظام معتبرا أن دمشق ستنتقم من امتناع حوالي خمسين ألف شاب من المنطقة عن القتال في صفوف النظام.
وأضاف كيلو في تسجيل صوتي بث على مواقع التواصل الاجتماعي أكد صحته لـ”العرب” أن النظام سيستخدم القوة المفرطة ضد المحافظة لتكون نموذجا لتطويع المناطق التي يسيطر أو سيسيطر عليها، مطالبا أهالي المنطقة بـ”حماية القاعدة الشبابية للجبل” وخصوصا “القوى التابعة لشيوخ الكرامة”.
ودعا كيلو في تصريح لـ”العرب” أهالي السويداء إلى تشكيل هيئة رسمية ممثلة لهم تطالب النظام في دمشق بتحمل مسؤوليته في حماية أمن المدينة وطرد عناصر داعش من مناطق شرق السويداء التي نقلتهم من مخيم اليرموك.