Site icon IMLebanon

المجتمع الدولي حدّد “معاييره” للحكومة في لبنان

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: لم يتأخّر المجتمع الدولي في الدخول على خطّ أزمة تأليف الحكومة الجديدة في لبنان محدّداً «المعايير» الدولية للتشكيلة التي يُعمل عليها في بيروت منذ 63 يوماً والتي اتّخَذ مسارها في الأيام الماضية منحى يشي بمحاولةٍ لجعْل ولادتها تجري على وهج «المَخاض الإقليمي»، وكتعبيرٍ عن انتقال «بلاد الأرز» الى مرحلة سياسية جديدة «على أنقاض» التفاهمات التي أنتجت تسوية إنهاء الفراغ الرئاسي والتي على أساسها تعزّزت مظلّة الدعم الخارجي على مختلف المستويات.

ورغم انشداد الأنظار إلى الزيارة التي قام بها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بعد ظهر أمس لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في أوّل لقاء بينهما منذ أن رفع الأخير بوجه زعيم «تيار المستقبل» (الحريري) عنوان أنه «يمهل ولا يهمل» ملمحاً الى انه لن ينتظر الى ما بعد هذا الأسبوع لدفْع مسار التأليف نحو نهاياته، فإن جانباً آخر من «الصورة الحكومية» جَذَب الأنظار نظراً لتأثيراته المحتملة على عملية التشكيل التي تزداد تعقيداتها في ضوء الحسابات الـ «ما فوق محلية» التي تظهّرت في الساعات الماضية.

وفي هذا السياق، انهمكت أوساطٌ سياسية بالتدقيق في حرص المجتمع عبر مجلس الأمن ثم عبر المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، بيرنيل كارديل، على رسْم ما يشبه «الخطوط الحمر» لمسار التشكيل تحت عنوان ضرورة قيام حكومة وحدة وطنية جامعة، والتذكير بـ «أجندة عملها» وفق ما كان تعهّد به لبنان الرسمي قبل الانتخابات النيابية وتحديداً لجهة استئناف الحوار حول «الاستراتيجية الوطنية للدفاع» أي سلاح «حزب الله» والتزام النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، وهي المرتكزات السياسية التي وفّرت لبيروت الحصول على دعم كبير ولا سيما في مؤتمر «سيدر» الذي أقرّ قروضاً ميسّرة ومساعدات بنحو 11 مليار دولار يرتبط تسييلها بإصلاحات مالية مطلوبة كما بعدم خروج لبنان عن الشرعيتين الدولية والعربية.

وجاء ما نُقل عن كارديل في حديث صحافي وحضّت فيه على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على نزع أسلحة كل الجماعات المسلحة، بما فيها«حزب الله»، واعتبارها أن الوقت حان للعودة إلى طاولة الحوار الوطني لتحقيق ذلك، من خلال التوصل إلى استراتيجية دفاعية، ليبلور ما كان دعا إليه في الاتجاه نفسه مجلس الأمن في جلسة مناقشة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول القرار 1701.»

ووضعت الأوساط السياسية عودة«العين الدولية»المباشرة على الواقع اللبناني في سياق محاولة إحداث«توازن» مع ملامح«الانقلاب» التي برزت مؤشراتها أخيراً على التسوية السياسية وتوازناتها وسط محاولاتٍ لترجمة هذا الأمر في التشكيلة الحكومية وصولاً إلى التلويح بإحراج الحريري نفسه لإخراجه من المَشهد وقيام«حكومة أكثرية»، مع ما يعنيه ذلك بحال حصل من فرْض قواعد جديدة للعبة السياسية لن يكون ممكناً قراءتها من خارج كونها عملية«هجوم معاكس» إيرانية للإمساك بالكامل بالورقة اللبنانية عشية«موجات العقوبات»الأميركية الجديدة عليها وبالتوازي على«حزب الله».

كما اعتبرت الأوساط أن جعْل المجتمع الدولي سلاح«حزب الله»أولوية داخلية لحكومة الوحدة الوطنية يأتي على طريقة«الرياح المعاكِسة» للمساعي المتدحْرجة لتكريس عنوان التطبيع السياسي مع النظام السوري، من بوابة ملف عودة النازحين، وإطلاق«رسائل» تتصل بإلغاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مع ما يعنيه كل ذلك من مسارٍ يرمي لإخراج بيروت من تحت العباءة الدولية وعن التزاماتها تجاه الخارج وإزالة«الخط الفاصل» بين الدولة وبين«حزب الله».

وعلى وقْع هذه«الإحاطة» الدولية بملف تشكيل الحكومة، جاءت زيارة الحريري أمس لرئيس الجمهورية، وسط تَركُّز الأنظار عليها لاعتباريْن:

* الأوّل ان الحريري استبقها بموقفٍ مزدوجٍ بدا برسْم عون سواء في ملف عودة النازحين بعد ملامح انزعاج الرئاسة الأولى من مسارعة الحريري الى فتْح قنوات التواصل المباشر مع موسكو بملاقاة تفاهمها مع واشنطن على إعادة النازحين من لبنان والأردن واعتماد روسيا قناة للعودة وليس النظام السوري، والأهمّ في قضية التمليحات المتكرّرة من رئيس الجمهورية ورئيس«التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل بأن«الوقت بدأ ينفذ» وان ليس أمام الرئيس المكلف مهلة مفتوحة للتأليف، وصولاً للتلويح بإجراءات مثل مخاطبة البرلمان برسالة رئاسية حول ملف الحكومة باعتبار أن النواب هم أصحاب التفويض النيابي للحريري، وذلك في سياق الضغط على الأخير إما لتشكيل حكومة بشروط الآخرين وإما الانسحاب والاعتذار.

* والثاني ما حمَله الحريري إلى عون تحت السقف الذي كان الرئيس المكلف أعلنه اول من أمس اي«لستُ ملزماً بأي مهلة»، و«لم أضع لنفسي أي مهلة للتأليف». علماً ان معلومات تحدثت قبيل لقاء عون – الرئيس المكلف عن أن في جيْب الأخير تّصوُّر عددي لصيغة معدّلة لتشكيلةٍ تراعي التوازنات التي سبق ان حدّدها لحكومة لا يملك اي فريق فيها الثلث المعطّل لوحده وتشارك فيها القوى الأكثر تمثيلاً بشكل يريحها (ولا سيما«القوات اللبنانية»و«التقدمي الاشتراكي») وتنسجم مع معايير التسوية الرئاسية، وأن الطرح يتضمن تحت هذا السقف عملية تبادُل موْضعية لحلّ عقدتيْ التمثيل المسيحي والدرزي، وأنه تعاطى مع هذا الطرح على أن عدم قبوله سيعني ان«وراء الأكمة ما وراءها».

وقد شكّل اجتماع عون – الحريري مناسبة لبحث ملف النازحين في ضوء تحرك الرئيس المكلف تجاه موسكو. علماً ان وفداً روسياً سيزور بيروت اليوم لمتابعة التواصل مع الجانب اللبناني في هذا الشأن والوقوف على كيفية ترجمة إعلان موسكو انها أصدرت تعليمات للعمل مع الجانبين الأردني واللبناني حول مسألة إنشاء مركز عمليات مشترك يعمل على مدار 24 ساعة لنقل اللاجئين إلى سورية، في موازاة تأكيد أن 30 ‏ألف سوري يقيمون في لبنان وشاركوا بالقتال ضد قوات النظام«لا يرغبون بالعودة إلى سورية».

وفي وقت كان ضغط فريق الرئيس عون وقوى«8 آذار» لمعاودة التطبيع مع النظام السوري يتّخذ طابعاً عملياً بالزيارة المعلنة لوزير الصناعة حسين الحاج حسن (من حزب الله) لدمشق، فإن التحرّك الذي شهده لبنان أمس لقطاع النقل البري وما تخلله من قطْع طرق في العديد من المناطق تحت عناوين مطلبية والتلويح بتصعيد الأربعاء المقبل، تَرك علامات استفهام حول إذا كان في سياق تضييق الخناق على الرئيس المكلف في ملف تشكيل الحكومة لا سيما ان بعض النقابات معروفة بارتباطاتها السياسية وغالباً ما تحرّكتْ بأجندات سياسية.