IMLebanon

إحموا أولادَكم من خطر سنّ المراهقة

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:

لم تسمح لها أمها بالخروج مع رفاقها، فتناولت أنطونيلا إبنة الـ15 عاماً ما وصلت إليه يدُها من أدوية، نُقلت على أثرها إلى المستشفى بين الحياة والموت، «أمي لا تحبّني ولا تفهمني، تعاملني كأنني طفلة صغيرة، وتُجبرني على القيام بما تراه هي مناسباً، لا أريد أن أعيش، أنا حزينة جداً».

مراحل مختلفة يعيشها الآباء والأمهات مع أولادهم، مراحل لا تخلو من فرح وحزن وخوف وفخر وخيبة أمل. فالأبناء مسؤولية كبيرة تُلقى على عاتقهم لمدى الحياة، ينجحون في تحمّلها أو يفشلون بحسب المعطيات والظروف.

«ما أحلاهن هني وزغار» تقول السيدة فريدة (جدة أنطونيلا) التي أنجبت ستة أولاد، وبدأوا يغادرون البيت الوالدي الواحد تلو الآخر، وبعد أن كانت صاحبة القرار مع زوجها بكل ما يتعلق بالأولاد، أصبحت من المتفرّجين الذين يجهلون الكثير من الأمور ويرضون بالقليل. وهي تفسّر ما قامت به حفيدتُها من محاولة إنتحار بالدلع والفوضى وعدم قدرة الوالدين على فرض سلطتهما.

ما أهمية السلطة الوالدية على الأبناء في سن المراهقة؟ ما الذي يحوّل العلاقة إلى صراع دائم في بعض الأحيان بين المراهق وأهله؟ وهل يمتلك الآباء والأمهات دائماً الكلمة الفصل في هذه المرحلة؟ ولماذا تكثر المشكلات في مرحلة المراهقة وتغيب الكاريزما مع الأهل؟ كيف يتصرف الأهل للحفاظ على التوازن والإيجابية في حياة أبنائهم بشكل عام؟

المراهقة من أصعب المراحل العُمريّة للإنسان، فهي فترة التناقض المزدوج للمراهق الذي يميل إلى التحرّر والإستقلالية، والمساواة مع الأهل، ويحتاج في الوقت نفسه إلى اهتمامهم ورعايتهم؛ فإذا تعرض للمواجهة ثار وانتفض وشعر بالضيق، وإذا أُهمل عانى من اليأس والإهمال وعدم الحب. هي فترة التحدّي والخروج عن طاعة الأهل، حيث يشعر الأبناء بأنهم يتدخّلون في شؤونهم الخاصة، فيتحوّلون إلى ثوّار متمردين، يعيشون مشكلة تكيّف مع الآخرين، ويعانون من تقلبات مزاجية وفراغ عاطفي يجعلهم بحاجة إلى إصغاء الأهل لهم ومشاركتهم مشكلاتهم ومشاعرهم مع عدم فرض الرأي عليهم، بالإضافة إلى رفض تام للتقييم.

يعاني المراهق من العدوانية، ما يُشعره بالخجل والذنب من تصرفاته مع أهله. هو ينتقد أسرته من سلوك وعادات، يوجّه الملاحظات والإنتقادات يميناً ويساراً، ويطلب التغيير حتى في ما يخصّ الأدوات المنزلية والأثاث وأصدقاء العائلة. ينزعج الأهل من كل ذلك غير واعين للتغيّرات الجسدية والنفسية والمعرفية لدى الأبناء في هذه المرحلة من العمر والتي يحتاجون معها إلى طريقة جديدة من التعاطي للحفاظ على سلامتهم وصحتهم النفسية.

بالنسبة للأهل، هم يريدون الأفضل للأبناء، ويحاولون الإستمرار في السيطرة عليهم، غير منتبّهين إلى التحوّل الذي ينتقل خلاله الأبناء من الطفولة إلى المراهقة. هم يعانون من التغيير المفاجئ في طلب الإستقلالية وعدم الرغبة في الإستماع لنصائحهم وتوجيهاتهم.

من الأسرة يتعلم الأبناء التنشئة الإجتماعية وينطلقون إلى العالم الخارجي، وهنا تكمن أهمية الإبداع في التعاطي من قبل الأهل مع الأبناء في مرحلة المراهقة، معتمدين بشكل أساسي على التقبّل والتعامل المتوازن والواعي. على الأهل في هذه المرحلة دعم الأبناء في تنمية قدرتهم على التعبير، تثقيفهم حول التغييرات التي تطرأ في هذه المرحلة مع إعطاء أمثلة حيّة من المجتمع المحيط، كما اعتماد الحوار والقيام بالنشاطات الترفيهية وكسر الروتين، وتفادي إعطاء الأوامر لهم.

الوضع النفسي والإجتماعي في العائلة مهم جداً في نمو الأبناء، إلّا أنّ لكل بيت خصوصيّته في طريقة التعاطي بين أفراده.

1- من البيوت ما تسوده الصراعات والعنف بين مكوّنات الأسرة من جهة، وبينهم وبين المجتمع الخارجي من جهة أخرى، فيتنازع الزوج والزوجة، الأهل والأبناء وكذلك الأخوة فيما بينهم؛ هذا بالإضافة إلى المشكلات مع الأقارب والجيران والأصحاب. غالباً ما يعاني المراهقون في هذا النمط من البيوت من العنف والتسلّط والاستبداد، فتتشكّل بذلك بيئة غير سليمة.

2- ومنها المتوازن حيث يتفهّم الأهل المرحلة التي يمر بها المراهق ويعيشون مرونة من حيث التقبّل والدعم مع تمكينه من الإستقلالية وتحقيق الذات، فيساعدوه على نموّ الشخصية والإحترام المتبادل.

3- والنمط الثالث من البيوت هو البيت المتساهل والذي يسمح للمراهق بالتحرّر التدريجي، إلّا أنّ خطره يكمن في الوصول إلى درجة الإستهتار أو الحماية المفرَطة.

من الضروري أن يعيش الإنسان مرحلة المراهقة التي ينتقل خلالها من الطفولة، فيتغيّر بذلك سلوكه، وكلما رفض الأهل استقلالية الأبناء كلما مكّنوا فيهم صعوبة التكيّف في المجتمع. في سن المراهقة يميل الأبناء إلى خرق الأنظمة والتفلّت من السلطة والرقابة، كما يرغبون بالخبرات الجديدة والإكتشاف لأمور الحياة، ما يؤدّي بهم إلى الفشل الدراسي، تعاطي المخدرات، والتورّط في عصابات. فساعدوا أبناءَكم في تخطّي هذه المرحلة، من خلال دعمهم لتأكيد الذات وتثبيت الثقة بالنفس وبالآخر، خاصة في المجتمعات التي تعاني من مشكلات إجتماعية واقتصادية وحروب.